في رحلة مكوكية خارج وطنه، خاض الباحث المصري محمد عطية غمار السعي نحو المعرفة، ليحقق إنجازاً تلو الآخر، فمن السعودية إلى اليابان مروراً بالدنمارك، لينتهي به المستقر في الولايات المتحدة، حيث يعمل الآن قائداً لمجموعة بحثية بالوكالة الأميركية لحماية البيئة.
هذه الوظيفة المرموقة كانت المحطة الأخيرة التي حطَّ فيها عطية أخيراً أوراق ترحاله، بعد رحلة ثرية بالتعلُّم والمعرفة، إذ يعمل الآن في الوكالة الأميركية على تطوير واختبار نظم متطورة، لمعالجة المياه من الملوثات الصناعية المستحدثة، التي لها آثار ضارة وسامة على صحة الإنسان والبيئة.
مسيرة تعليمية
يقول عطية إنّه حصل على بكالوريوس الهندسة الزراعية من كلية الزراعة، جامعة الإسكندرية، وبعد عامين من العمل في جامعة الملك سعود بالرياض، حظي بفرصة الحصول على منحة الحكومة اليابانية، لدراسة الماجستير والدكتوراه في تخصص الهندسة البيئية والمدنية بجامعة طوكيو للتكنولوجيا.
ويضيف الباحث المصري لموقع "سكاي نيوز عربية" أنّه أثناء رحلته الدراسية في اليابان، خاض عدة رحلات علمية كباحث زائر في قسم الكيمياء بجامعة كوبنهاغن في الدنمارك، ثم انتقل أخيراً إلى الولايات المتحدة لإجراء أبحاث ما بعد الدكتوراه في جامعة كليمسون في ولاية كارولينا الجنوبية.
وفي الولايات المتحدة الأميركية عمل عطية أيضاً كباحث مشارك في قسم الكيمياء بجامعة نورث وسترن في شيكاغو، قبل أن يلتحق أخيراً بالوكالة الأميركية لحماية البيئة.
مهمة خاصة
وعن وظيفته بالوكالة الأميركية لحماية البيئة، يقول عطية إنه عُيّن مهندس بيئي ورئيس مجموعة بحثية في مركز الحلول البيئية والاستجابة للطوارئ بوكالة حماية البيئة الأمريكية (US EPA)، في مدينة سينسيناتي بولاية أوهايو.
ويشرح الباحث المصري طبيعة وظيفته بوكالة حماية البيئة الأميركية:
- تركيز مجموعتي البحثية ينصب بالأساس على ملوثات خطيرة تعرف باسم البولي فلورو الكيل (PFAS)، إذ قُدّر أخيراً وجودها في البيئة بعدد يتراوح بين حوالي 5 آلاف إلى 9 آلاف مركب، وتتخذ هذه المركبات عدّة أشكال نظراً لتنوع المواد التي تحتوي عليها.
- توجد هذه المادة المثيرة للاهتمام في عدد من المواد المحيطة التي نستخدمها يومياً، مثل: الأثاث، والمنسوجات، والمواد اللاصقة، ومواد تغليف العبوات الغذائية، وأسطح الطهي المقاومة للحرارة، والأجهزة الإلكترونية، والبطاريات ومحتويات طفايات الحريق، وحتى الملابس.
- انصّب تركيز الباحثين في العقود الأخير على إيجاد طرق للتعرف وتحديد مستويات البولي فلورو الكيل (PFAS) في البيئة، وتطوير تقنيات معالجة فعالة؛ لإزالتها وتكسيرها في المياه إلى جانب تقنين استخدامها وإنتاجها.
استحوذت هذه المادة على اهتمام الرأي العام والقطاع البحثي، بسبب مقاومتها للتحلل، فضلاً عن سميتها الشديدة وخطرها على البيئة، إذ إن مشتقات البولي فلورو الكيل (PFAS) لا تتفاعل ولا تتحلل حيوياً، إلى جانب مقاومتها العالية لدرجات الحرارة الشديدة، ما يجعلها من بين أكثر المركبات السامة ثباتاً في الوجود.
ويقول عطية إنّ السؤال هنا يكمن في الطريقة التي تسللت بها مركبات البولي فلورو الكيل (PFAS) إلى سلسلة طعامنا وموارد مياهنا، وحتى إلى غلافنا الجوي في خلال ثمانية عقود فقط منذ اختراعها.
ويستطرد: "ليس من المبالغة بأي شكل من الأشكال إذا قلنا أن مركبات الـ PFAS تسري تقريباً في دماء كل الأحياء على الأرض، بما في ذلك حديثي الولادة، ورغم انعدام تأثير تلك المركبات على طبيعة مياه الشرب من لون ورائحة، إلا أن عديد من مياه الصنابير والمياه المعبأة ملوثة – بلا شك – بتركيزات متفاوتة منها".
ويلفت العالم المصري إلى أنّ أبحاثه مع فريقه، تتركّز على معالجة المياه من مركبات الـ PFAS، وتستهدف بشكل خاص إزالة الملوثات الدقيقة، وتقييم تقنيات الفصل والتحلل المختلفة من خلال تطوير مواد وتقنيات جديدة لامتصاص و/ أو تكسير ملوثات المياه ومشتقاتها.
ويردف: "الأمر الإيجابي في نتائج أبحاثي بشكل عام، هو الحصول على بدائل فعالة واقتصادية، لفصل ملوثات المياه ثم تكسيرها؛ بحيث أن جميع النواتج النهائية تقريباً تكون غير ضارة بالبيئة".
خطط وشراكات
في معرض حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، تحدث محمد عطية عن الشراكات العلمية التي يعمل عليها حالياً، إذ يقول إنّه يعمل على بناء شراكات علمية عديدة مع جامعات وشركات كبرى بهدف تحويل اكتشافات فريقه العلمية إلى منتجات تجارية.
ويشير إلى أنّ ثمة تفاوت في الفترات الزمنية التي تستغرقها التقنية حتى تخرج إلى النور، فبعض المواد القادرة على فصل الملوثات بشكل انتقائي تم تحويلها بالفعل إلى منتجات تجارية، في حين أن بعض الاكتشافات الأخرى قد تحتاج إلى فترة أطول، حتى يتم تحديد المناسبة لاستخدامها.
أمَّا فيما يتعلق بخططه المهنية في الفترة الحالية، فيقول الباحث المصري إنه ينوي الاستمرار في المجال البحثي، بالتوازي مع مد شبكة علاقات في اتجاه صناع القرار والمشرعين الأميركيين، لافتاً إلى أنّ الوكالة الأميركية لحماية البيئة، هي أكبر هيئة عالمية تعمل في اتجاهين، الأول: البحوث والتطوير، والثاني: إصدار القوانين والتشريعات البيئية، "لذلك أعمل حالياً على اكتساب الخبرة في كلا الاتجاهين".
وفي ختام حديثه شدد عطية على أهمية دور الأبحاث العملية، بالقول: "بحلول عام 2023 سيتم إصدار تشريعات، تُحدّد قدر التركيزات المسموح بها من ملوثات البولي فلورو الكيل (PFAS) في مياه الشرب، وقد اعتمدت الوكالة على نتائج أبحاث معملية كثيرة، في سبيل تحديد شكل ومضمون التشريعات".