بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية بمدينة بنجرير المغربية، القريبة من مراكش، ينهمك طلبة باحثون في مشروع علمي يهدف إلى الحصول على بذور مقاومة للجفاف والحشرات الضارة.
وتعتبر هذه المزرعة التجريبية واحدة من المختبرات الحية التابعة للجامعة، التي فتحت أبوابها في 2017، وهي عبارة عن مجموعة من الأراضي التي تهدف إلى تقديم توصيات وحلول ذكية فيما يخص الزراعة.
هذه الجامعة المغربية تترجم على غرار معاهد أخرى، سعي المغرب إلى اعتماد أنظمة زراعية ذكية صديقة للبيئة، تزيد من الإنتاجية وتحافظ في الآن ذاته على المياه الجوفية، في ظل التقلبات المناخية التي يعرفها المغرب، وشح الأمطار وتوالي مواسم الجفاف.
الزراعة الذكية
تُعرّف منظمة الأغذية والزراعة (فاو) الفلاحةَ الذكية مناخياً، على أنها "نهج يساعد على توجيه الإجراءات اللازمة لتحويل وإعادة توجيه النظم الزراعية لدعم التنمية بصورة فعالة وضمان الأمن الغذائي في وجود مناخ متغير".
وبحسب المنظمة التابعة للأمم المتحدة، فـ"تهدف الزراعة الذكية مناخياً لمعالجة ثلاثة أهداف رئيسة وهي: زيادة مستدامة في الإنتاجية الزراعية والدخل، والتكيف وبناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ، إلى جانب خفض أو إزالة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، حيثما كان ذلك ممكنا".
وقد انخرط المغرب في هذا التوجه منذ سنوات، من أجل التصدي لآثار الاحتباس الحراري الذي يتربص بالعالم. وهو ما أكده السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، خلال لقاء افتراضي عالي المستوى حول "دور الذكاء الاصطناعي في تحقيق الأمن الغذائي في مرحلة ما بعد كوفيد-19″، حيث قال إن "هذه العلوم والتكنولوجيات صارت تساهم في زيادة إنتاج الفلاحين الصغار والمتوسطين، فضلا عن المساعدة في إنتاج المزيد من الغذاء باستهلاك كميات أقل من المياه والطاقة".
وأكد هلال، خلال اللقاء الأممي المنعقد بدية أكتوبر 2021، أن الجائحة "غيرت طريقة تواصل المستهلكين والمنتجين مع بعضهم البعض"، مشيرا إلى أن الذكاء الاصطناعي أصبح الآن أداة لتحسين سلاسل قيمة الصناعات الزراعية وتحسين الأنشطة التجارية عبر الإنترنت للفلاحين الصغار والمتوسطين".
طفرة رقمية
يؤكد الخبير في مجال الزراعة، رياض وحتيتا، أن الفلاحة عرفت في السنوات الأخيرة طفرة رقمية ناتجة عن التطور التكنولوجي الذي سبق أن استفادت من خدماته، قطاعات أخرى في المغرب، منها الصناعة والخدمات.
وبحسب المستشار الزراعي، فإن "الفلاحة 4.0" تعتمد على تقنيات وحلول ذكية تستهدف تطوير الأمن الغذائي ومواجهة التقلبات المناخية. وتعمل هذه التقنيات بواسطة وسائل وأجهزة متصلة ببعضها عن طريق شبكة الإنترنت، التي لم تعد فقط وسيلة للنشر والتواصل، بل أيضا أداة قوية لدعم الزراعة.
وأضاف الخبير، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن الفلاحة الذكية تهدف أيضا إلى زيادة الإنتاج، بوسائل قليلة وعالية الجودة، تضمن الحفاظ على الوسط البيئي، فضلا عن ترشيد استعمال المياه بواسطة أجهزة نذكر منها، الطائرات المسيرة التي تستعمل في مراقبة الضيعات واستشعار الأخطار البيئية، كما نجد أيضا الحساسات البيئية التي ترصد معلومات دقيقة وسريعة عن المعطيات الجوية وعن التربة في حالة نقص المياه، مما يسمح بتوفير الحاجيات من الماء في الوقت المحدد بالمقدار المطلوب، ويساهم لا محالة في الاقتصاد في الماء بنسب كبيرة، وهو ما لا يمكن القيام به في الزراعة التقليدية.
ومن بين الأدوات الذكية التي أوردها وحتيتا في معرض حديثه، تطبيقات الهاتف التي "تساعد في عملية السقي عن بعد بشكل منتظم، منها أيضا من يساعد على تشخيص أمراض النباتات وتحديد الأدوية الفعالة لمعالجتها، بعيدا عن اللجوء الممنهج لاستعمال المبيدات بشكل عشوائي". مردفا أنه يمكن لجميع هذه الأجهزة المذكورة التواصل والعمل بانسجام عبر إنترنيت الأشياء، لضمان نمو أفضل للمزروعات وتدبير معقلن لمراحل الإنتاج.
وفي الأخير، أكد المستشار الزراعي أن هذه المشاريع الرقمية لا تزال في بداية مشوارها، فمن أجل تنفيذها على أرض الواقع، يجب الاعتماد على دراسات ميدانية تُمكن من تحديد نوعية الوسائل المستعملة وفي أي نشاط زراعي يمكنها التدخل، كما يجب تأهيل العنصر البشري للتجاوب مع هذه الوسائل المتطورة خاصة أنها تستلزم دراية بتكنولوجيا الاتصال، من أجل تحقيق مفهوم الفلاحة الذكية في جميع مراحلها.