ازدادت معدلات الولادة القيصرية في العالم وفي مصر خصوصا، لتحتل المرتبة الرابعة في العالم في معدل إجراء هذا النوع من الولادة، حتى باتت الولادة القيصرية هي الأساس والولادة الطبيعية هي الاستثناء، لكن خبراء في هذا المجال يحذرون من هذه الجراحة، مؤكدين أنها تهدد حياة النساء والأطفال خاصة عندما لا تكون هناك ضرورة لها.
وبحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية فقد تضاعفت معدلات الولادة القيصرية حول العالم 3 مرات خلال 3 عقود، مشيرة إلى أن واحدا من كل خمسة أطفال حول العالم يولد عبر جراحة قيصرية. أما الدول الخمسة الأعلى من ناحية معدلات الولادة القيصرية فهي: الدومنيكان بنسبة 58.1 في المئة، والبرازيل بنسبة 55.7 في المئة وقبرص بنسبة 55.3 في المئة ومصر بنسبة 51.8 في المئة، تليها تركيا بنسبة 50.8 في المئة.
الأرباح المادية
الولادة القيصرية تتميز بالنسبة للأطباء بارتفاع ثمنها وتوفيرها للوقت، ما يمكن الطبيب من إجراء أكثر من عملية في اليوم الواحد، وتدر ربحا على المستشفيات الخاصة. وبحسب الجمعية المصرية لأطباء النساء تستغل المستشفيات الخاصة ارتفاع تكلفة الولادة القيصرية مقارنة بالولادة الطبيعية حيث تصل معدلات الولادة القيصرية فيها إلى 80 في المئة، في حين لا تتجاوز نسبة 40 في المئة في المستشفيات الجامعية.
من جانبه قال الدكتور "مؤمن زكريا" مدرس أمراض النساء والتوليد بكلية الطب البشري جامعة بني سويف في مصر لسكاي نيوز عربية إن المجتمع الطبي في الدول المتقدمة، وعلى رأسها إنجلترا وأميركا، في السنوات الأخيرة يحارب وبشدة الزيادة غير المبررة لعمليات الولادة القيصرية، ويقوم بتشجيع الأطباء والنساء على الولادة الطبيعية قدر المستطاع، واقتصار حالات الولادة القيصرية على الضرورة الطبية فقط، مؤكدا زيادة حالات الولادة القيصرية في كل بلاد العالم خلال الـ 20 سنة الأخيرة.
وأضاف زكريا أن الدول النامية مثل مصر والبرازيل تأتي في المقدمة، ففي آخر إحصاء في مصر، الولادات القيصرية تمثل أكثر من 50% من معدل حالات الولادة، وذلك لأسباب عديدة، منها ما هو متعلق بخوف الأطباء من المسائلة القانونية عند حدوث مشاكل للأم أو الجنين خلال الولادة الطبيعية، مثل تعسر الولادة، أو تعرض الطفل للإصابة، وهي مضاعفات من الوارد حدوثها حتى مع أكبر الأطباء سنا وأكثرهم خبرة.
وبين أن المجتمع لا يتقبل حدوث أي مضاعفات وهو ما يزيد مخاوف الأطباء من المسائلة القانونية، ويلجؤون للولادة القيصرية، اعتقادا منهم أنها أقل من حيث المخاطرة. لكن الدراسات الحديثة أثبتت عدم صحة هذه الفرضية، كما أن هناك اتجاها مجتمعيا بين النساء وأسرهن يفضلن الولادة القيصرية لأسباب تتعلق بسلامة الأم والجنين ظنا أن هذه الطريقة هي الأسلم والأقل ألما، والأقل تأثيرا على الجهاز التناسلي للمرأة، ويضطر الأطباء لتلبية مطالبهن.
مخاطر الولادة القيصرية
وحول مخاطر الولادة القيصرية يؤكد الدكتور مؤمن زكريا أن: "الولادة القيصرية تعتبر عملية كبرى لها مضاعفات كثيرة، منها حدوث نزيف أكتر من الولادة الطبيعية، واحتمال حدوث مضاعفات للتخدير سواء النصفي أو الكلي، فضلا عن زيادة فرص الولادة المبكرة في الحمل التالي، وزيادة احتمال احتياج الطفل لحضانة بعد الولادة مما يكلف الدولة والأسرة مبالغ إضافية".
وأضاف أن: "الأخطر حاليا زيادة أعداد حالات المشيمة المتقدمة، والتي تعرض حياة الأم والجنين لخطر الوفاة، سواء أثناء الحمل نتيجة لحدوث نزيف شديد يهدد الحياة، أو أثناء الولادة، فضلا عن زيادة احتمالية إجراء اسئصال للرحم، أو إصابة المثانة والأمعاء أثناء العملية، والاضطرار لاحتجاز المريضة داخل غرفة الرعاية المركزة بعد الولادة نتيجة لهذه المضاعفات، فالمستشفيات الجامعية باتت تستقبل حالتي مشيمة متقدمة أسبوعيا، بعض الحالات يكتب لهن السلامة والبعض يعانين من مضاعفات دائمة، وفي أحيان أخرى يفارقن الحياة".
حلول بديلة
وأوضح الدكتور زكريا أن كل هذه التداعيات تمثل كلفة بشرية وعبئا اقتصاديا على الدولة، وبالتالي يجب تبني سياسات قومية تهدف لخفض معدل عمليات الولادة القيصرية من خلال إنشاء وتشغيل مراكز حكومية لرعاية الأم الحامل، تشمل توفير خدمات الولادة الطبيعية، مع غرفة عمليات مجهزة، وأخصائي أمراض نساء وتوليد، وأخصائي تخدير، وطاقم من الأطباء المقيمين، وهيئة تمريض مدربة على متابعة الولادة الطبيعية مع استدعاء أخصائي الولادة عند الضرورة فقط.
وبين أنه: "يمكن الاستفادة وتشغيل المستشفيات القروية المهجورة، والوحدات الصحية الكبرى لهذا الغرض، بجانب المستشفيات المركزية، ويتم تغطية جميع القرى والمدن، لأن عدد الأخصائيين المنتسبين لوزارة الصحة يكفي لتغطية كل محافظات الجمهورية، ولا نحتاج سوى إعادة توزيع سليمة مع مرتبات مجزية مقابل العمل".
وشدد على ضرورة توفير خدمات الولادة الطبيعية دون ألم في المراكز الطبية الحكومية، وتوفير خدمات متابعة الحمل والولادة مجانا تحت مظلة التأمين الصحي لجميع السيدات، مع متابعة سجلات الأطباء ومعدلات الولادات الطبيعية والقيصرية التي يتم إجراؤها مع تدوين الأسباب التي أدت للجوء إلى الجراحة القيصرية.
كما دعا الدكتور مؤمن زكريا لتبني الدولة حملات قومية تهدف للتوعية بفوائد الولادة الطبيعية، ومخاطر الزيادة غير المبررة في الولادات القيصرية، يشارك فيها شخصيات عامة وأساتذة كليات الطب، بهدف تفنيد الدعاية المزيفة عن فوائد الولادة القيصرية.
وأردف بالقول: "يجب إسناد إدارة كل ما سبق لمتخصصين لا يشتغلون بالقطاع الطبي الخاص في مجال التوليد، منعا لتضارب المصالح، لا سيما وأن تكلفة كل ما سبق من إجراءات تمثل نسبة لا تذكر من تكاليف عمليات ومضاعفات الولادة القيصرية مجتمعيا واقتصاديا على الدولة المصرية حكومة وشعبا".
وختم الدكتور مؤمن زكريا بالقول: "إن تدخل الأطباء في مجال الولادة يحتاج لمراجعة وترشيد، ولابد من مراجعة نسب الولادة القيصرية في كل مستشفى جامعي، أو مركزي، أو عام، ومعرفة نسبة مضاعفات الولادة القيصرية وتأثيراتها على السيدات والأطفال، لا سيما وأنها مرتبطة بولادة أطفال ناقصي النمو يحتاجون لتكاليف رعاية لا يستطيع المواطن البسيط تحملها".