تترك الحروب خسائر اقتصادية ظاهرة يمكن تعويضها، وتبقى الآثار المدمرة غير الظاهرة على نفسية المتعرضين للحرب أكبر الخسائر التي قد تعطل إعادة البناء إن لم يتم تداركها.
ورصدت أبحاث علم النفس في العقود الأخيرة ما يسمى باضطراب ما بعد الصدمة، وهو مرض نفسي تُخلّفه الحروب يخص الآثار النفسية الناجمة عنها.
ومع كثرة مناطق النزاع في عالمنا اليوم اهتمت الأبحاث بكيفية حماية الإنسان من هذا المرض، وتحويل التعرض لصدمة الحرب من محنة إلى منحة.
ما هو اضطراب ما بعد الصدمة؟
هي أعراض تصيب الإنسان الذي واجه أخطارًا جسيمة تعرضه للموت أو الإصابة أو مشاهدته أعمال عنف.
واتسعت أنواع الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة لتشمل الصحفيين والمصورين بمناطق النزاع، بالإضافة إلى المعالجين النفسيين والمتطوعين لما يُعرف بالصدمة بالشهادة أو الاستماع (trauma by listening).
ويختلف المصابون في إظهار أعراض الصدمة بحسب طبيعتهم النفسية؛ فمنهم من تبدو عليه أعراض اضطراب ما بعد الصدمة في غضون ساعات من النجاة، ومنهم من تظهر عليه بعد سنوات، وتشمل الأعراض صعوبة التخلص من الذكريات المؤلمة؛ فهو يعيش الحدث مرارًا وتكرارًا بكل جوارحه، مما يسبب له الضغط العصبي الشديد، كما يعاني البعض من كوابيس مزعجة واضطرابات النوم والطعام.
وتسيطر على المصاب الأفكار السلبية عن النفس والآخرين، ونظرة تشاؤمية للمستقبل بشكل مبالغ به، كما يجد المصاب نفسه منعزلًا عن الأسرة وغير مهتم بأنشطته المفضلة، مع سهولة الشعور بالذعر والخوف وسرعة التهيج والغضب.
تحول المحنة إلى منحة
لحسن الحظ ظهرت أبحاث عملت على تحويل اضطراب ما بعد الصدمة من ضغط عصبي إلى نقطة تنمية جديدة للشخصية من خلال الدعم المجتمعي وهو ما يُعرف بـ community based Post traumatic gross.
الدكتور أحمد عبدالله استشاري الطب النفسي يرى أن المحن الإنسانية فرص لتغيير قناعات راسخة وللتشبيك والتعاون المثمر في العمل الإغاثي، وهي تحدٍّ مجتمعي يستنهض الهمم، ويفجر طاقات إيجابية في مجال التطوع والإغاثة.
وفيما يخص المنخرطين باستمرار في مواجهة الحروب والأزمات مثل العاملين في الإغاثة والصحفيين ينصحهم "عبدالله" بمقاومة اضطرابات النوم والطعام بتنظيم العمل، وأخذ أقساط مناسبة من الراحة والوجبات الغذائية كوقود لاستئناف العمل، وترتيب الأولويات، مع متابعة الأخبار دون التداخل في الأزمة.
كما أوصى بإبعاد الأطفال عن مشاهد القصف، لكن إن وصلت لهم أي من تلك المشاهد القاسية فمن الممكن أن تكون فرصة للحديث عن شر الحروب وأهمية التكاتف أمامها.
وبتعبير الاستشاري النفسي فالمجتمع قادر على تحويل هذه المحنة إلى منحة بالاصطفاف والتطوع ومساعدة الناس؛ فتتحول لخبرة حياتية إيجابية تُظهر الجانب القوي في شخصية كل إنسان، ويشعر بأهميته لمن حوله، بدلًا من أن ينعزل ويغرق في صدمته النفسية الخاصة.