قبل نحو 37 مليون عاما كانت السحالي والأفاعي تجوب واحة الفيوم خلال العصر الإيسويني، وهو حقبة جيولوجية استمرت من 56 إلى 34 مليون سنة مضت، وشهدت ظهور أول الثدييات الحديثة.
ورغم ثراء العصر الإيوسيني بأشكال الحياة، لا نعرف الشيء الكثير حول بعض أسلاف الكائنات الحية في إفريقيا، بسبب ندرة الأحافير، وبالأخص الحرشفيات وهي رتبة حيوانية تتبع طائفة الزواحف، وتضم مجموعتين هما: السحالي والحيات.
وفي الآونة الأخيرة، باتت واحة الفيوم بمثابة منجم ضخم لا ينضب من الحفريات، كونها تعد أحد أهم تجمعات فقاريات الأيوسين بالقارة السمراء، حيث اُكتشفت فيها حفريات الحيتان والأسماك القديمة.
واليوم تبوح الواحة بأسرار جديدة عن الحرشفيات، بعدما عُثر مؤخراً على حفريات تضم أضخم سحلية عديمة الأرجل فى التاريخ، فضلاً عن سبع فقرات ترجع إلى الثعابين الكولوبرويدية (أسلاف الأفاعي الحديثة).
وقبل أيام، نشر فريق "سلام لاب" التابع لجامعة المنصورة، ورقة بحثية في مجلة "علم الحفريات الفقارية" "Journal of Vertebrate Paleontology" توثق هذه الاكتشافات.
رحلة الكشف
بدأت قصة العثور في عام 2017 عندما عثر فريق "سلام لاب" على الحفريات في أحد الرحلات الاستكشافية شمال بحيرة قارون بمنخفض الفيوم؛ حيث تتراكم الحفريات فوق بعضها في ثراء شديد الندرة، بحسب ما تقول قائدة مروة الحارس، الباحثة الرئيسية وأحد أعضاء مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية.
وتضيف الحارس لموقع "سكاي نيوز عربية"، "بعد العثور على هذه العينات، خضعت للبحث على مدار عامين حتى نعرف أن ماهية هذه العينات وإلى أي مجموعة من الحرشفيات تنتمي هذه الحفريات، والتي استطعنا أن نعرف في نهاية الأمر أننا أمام الجد الأكبر للأفاعي الحديثة، وأكبر سحلية عديمة الأرجل مكتشفة في التاريخ".
وتوضح الحارس الباحثة المختصة في علم التشريح المقارن أن الفريق عثر على فقرة جذعية من السحلية عديمة الأرجل، ويصل حجم هذه الفقرة إلى حوالي 4 ملليمترات، وهو ما قاد الباحثين إلى معرفة أن هذه السحلية تعد الأضخم في التاريخ، كون حجم الفقرات في أكبر سحلية معروفة اليوم يصل إلى نحو 2 ملليمترات فقط.
وتقول الحارس إن السحالي الدودية عديمة الأرجل، مغطاة بقشور في هيئة حلقات دائرية، وتعيش تحت الأرض أغلب الوقت، ولها عين بدائية للغاية، وقد تكون قريبة من العمى، وتقتات على الحشرات التي تعيش الأرض.
أما أحفورة الأفعى فقد عثر منها على 6 فقرات تتراوح حجم الفقرة بين 2 ملليمترات و1 سنتيمترات، ويعرف هذا النوع باسم الثعابين الكولوبرويدية، وهو الجد الأكبر للأفاعي الحديثة، إذ ينحدر منه نحو 80 في المئة من الأفاعي التي تعيش بيننا اليوم، مثل: الكوبرا والطريشة.
الهجرات
ثمة دليل جديد حول هجرات الزواحف بين القارات تدفع به الورقة البحثية التي أعدتها الحارس ورفاقها من فريق سلام لاب الذي يقودها عالم الحفريات المعروف، هشام سلام، إذ تبيّن الدراسة أن إحدى فقرات الجذع لدى الأفعى الكولوبرويدية تشبه تلك الموجودة في العصر الإيوسيني المبكر في الهند منذ حوالي 52 مليون سنة.
وتستطرد الباحثة المصرية قائلة: "في هذا الوقت من العصر الإيوسيني لم تكن هناك يابسة تربط بين قارتي آسيا وإفريقيا، إذ كان البحر التيسي هو الفاصل بين القارتين، لذا هناك فرضية ترجع وسيلة هجرات الثدييات بين القارتين إلى انفصال غابة عائمة عن قارة آسيا اتصلت فيما بعد بقارة إفريقيا، ودراستنا تثبت أنّ الزواحف أيضات هاجرت بذات الطريقة".
لم يكتفِ الباحثون المصريون بإضافة معارف جديدة حول الزواحف، لكنهم صححوا معلومات مغلوطة حول تأريخ موقع نامبيا، الذي تم العثور فيه على عينات من نفس مجموعة الثعابين، وتم تأريخها بأنها تعود إلى نحو 41 مليون سنة، لكن مع دراسة هذه الثعابين كشف الباحثون المصريون أنها أكثر تطورا من العينات التي عثر عليها في مصر.
وتشرح الحارس: "من المتعارف عليه في علم الحفريات أنه كلما كان العمر أقدم كلما كانت الصفات التشريحية أكثر بدائية، لذا وبالاستناد إلى أن الصفات التشريحية لأفاعي موقع ناميبيا أكثر تطورا من نظيراتها في واحة الفيوم، فإنّ عمر موقع نامبيا المقدر حالياً بـ 41 مليون سنة غير صحيح، والتقدير الأقرب للدقة هو 23 مليون سنة".
وفي ختام حديثها لموقع "سكاي نيوز عربية" تقول الحارس إن فريق سلام لاب يُخطط حاليا للعثور على حفريات جديدة تخص الحرشفيات، بهدف تكوين صورة كاملة عن تلك الأنواع المكتشفة حديثاً.