ثمة أمراض نادرة قد تغيب عن أذهان الأطباء أثناء تشخيص المرضى، وقد ينجم عن غياب المعرفة بالمرض تشخيصا طبيا خاطئا يقود إلى تبعات خطيرة.
من بين الأمراض النادرة التي تغيب عادة عن "احتمالات تشخيص" أطباء الأمراض الجلدية، مرض "أورام الخلايا الحبيبية"، الذي حذر أطباء مصريون منه، بعدما نشروا دراسة حديثة في "المجلة الأميركية لعلم الأمراض الجلدية"، تُسلط الضوء على المرض الجلدي النادر.
وأُجريت الدراسة في وحدة باثولوجيا الجلد بقسم الأمراض الجلدية بمستشفى الحسين الجامعي التابعة لكلية الطب بجامعة الأزهر في العاصمة المصرية القاهرة.
الأورام المتعددة
من جانبه يشرح مدرس مساعد الأمراض الجلدية بجامعة الأزهر، وأحد معدّي الدراسة، الدكتور محمود راجح ماهية المرض النادر، إذ يقول إن "أورام الخلايا الحبيبية" عبارة عن نوع من الأورام الحميدة في الأنسجة الرخوة منشأها خلية شوان (نوع من خلايا الجهاز العصبي)، وهو ورم قد يصيب أي منطقة في الجسم، ومن بينها الجلد.
ويضيف راجح في تصريحات خاصة لموقع سكاي نيوز عربية أن أورام الخلايا الحبيبية تُمثل في العموم نسبة 0.5 بالمئة من أورام الأنسجة الرخوة، لافتاً إلى أن هذا النوع من المرض يكون في الأغلب مرضاً حميداً، لكن من الوراد أن يتحول إلى ورم خبيث في 3 بالمئة من الحالات.
وبرغم من أن هذا النوع من الأورام قد يصيب أي مكان في الجسم، إلا أن حوالي 55 بالمئة من الإصابات تقع في منطقة الرأس والرقبة، تصيب 70 بالمئة منها تجويف الفم وخاصة اللسان، وعادة ما يكون الاستئصال الجراحي هو الحل العلاجي الناجع.
ما الجديد؟
تركّزت جهود الأطباء المصريين على دراسة الأورام الحبيبية المتعددة لدى الأطفال (أقل من 18 عاماً) منذ عام 2008 حتى عام 2021؛ واشتملت الدراسة على 9 مرضى (6 فتيات و3 فتيان)، وتُضاف الحالات التسع إلى حوالي 40 حالة مُوثقة حول العالم، حيث سجل أول اكتشاف للمرض كان عام 1854، بينما تم توصيفه وتوثيقه بدءا من عام 1926.
وعن الجديد الذي تكشفه الدراسة، يشرح الطبيب المصري: "في الأغلب يُصيب الورم الحبيبي الجلد في منطقة واحدة فقط، لكن عندما يُصيب أكثر من منطقة نكون أمام حالة نادرة تُعرف باسم (الأورام المتعددة)، وكانت هذه الحالة محلّ نقاش الدراسة".
ويقول راجح إن ظهور الأورام المتعددة كان يُعدّ في السابق مؤشراً قوياً على تحول الورم من حميد إلى خبيث، لكن الدراسة أثبتت عكس ذلك، فلم يحدث أن أُصيبت حالة واحدة بورم خبيث من الحالات التي أُجريت عليها الدراسة.
ومن بين ما توصل إليه الأطباء أيضاً، أنّه ليس بالضرورة أن تصاحب الأورام الحبيبية المتعددة متلازمات أخرى تُصيب العظام أو الجهاز العصبي، كما كانت تشير دراسات سابقة.
إضاءة على المرض
ويوضح الطبيب المصري لموقع سكاي نيوز عربية أن الجانب المفقود في مرض الأورام الحبيبية المتعددة هو صعوبة التشخيص المبكر عن طريق الفحص الإكلينيكي، إذ يتطلب التشخيص الدقيق أخذ عينة جلدية، ولذلك هناك حالات عديدة أصيبت بالمرض ولم يتم تشخيصها، الأمر الذي يُفسر محدودية عدد الحالات المسجلة عن المرض منذ اكتشافه.
وعن طريقة علاج الورم الحبيبي المتعدد يقول راجح: "نحن اليوم نلقي الضوء على هذا المرض، ونوجه رسالة للأطباء مفادها أن الورم موجود، ويجب أن يكون حاضراً في الأذهان عند تشخيص المرضى، فعندما يكون التشخيص مبكراً، تصبح لدينا فرصة جيدة للاستئصال الجراحي للورم في الحجم الصغير، مما يحد من احتمالية عودة الورم مجددا".
ويوضح: "عندما يصل الورم إلى حجم كبير، عادة ما يصعب استئصاله بشكل كامل، ويتبقى جزء منه، وبالتالي ينمو مرة أخرى".
لم يكتفِ الفريق البحثي المصري برصد الحالات الجديدة وتوصيفها فقط، لكنه أعاد توصيف الحالات التي سبق واكتشفت من قبل (40 حالة)، لتصبح الدراسة بمثابة مرجع مكتمل عن حالات الورم الحبيبي المتعدد.
يشار إلى أن الدراسة عكف على إعدادها الباحثون من جامعة الأزهر: الدكتور محمد الخلواني، رئيس قسم الأمراض الجلدية، والدكتور حسين حسب النبي أستاذ الأمراض الجلدية، ورئيس وحدة باثولوجيا الجلد بمستشفى الحسين الجامعي، إلى جانب الدكتور محمود راجح، مدرس مساعد الأمراض الجلدية.