ضجة كبيرة عاشها المجتمع العلمي في العالم مؤخرا، بعد الإعلان عن أول قاعدة بيانات علمية تمثل دليلا شاملا للباحثين في مجال الطاقة المتجددة وخاصة الخلايا الشمسية سريعة التطور المعروفة باسم "بروفسكايت"، وشارك في تدشينها الباحث المصري الشاب محمود الدماصي.
قاعدة البيانات الجديدة أشاد بها عدد من كبار الباحثين في ذات المجال حول العالم، حتى إن دورية "نيتشر إنرجي" الشهيرة، وهي أبرز وأكبر مجلة بحثية في مجال الطاقة عالميا، نشرت مقالا عن هذا الحدث ووصفته بأنه "زلزال معلوماتي".
وتحدث موقع "سكاي نيوز عربية" مع الدكتور محمود الدماصي، لتسليط الضوء على قصة قاعدة البيانات وأهميتها ودوره فيها مع الباحثين الآخرين من عدة دول.
قال الدماصى إنه يعمل على تطوير نوع جديد من الخلايا الشمسية يسمى خلايا "بروفسكايت"، و"رغم اكتشاف خواصها الكهروضوئية في منتصف القرن الماضي، فإن أول تطبيق لها في مجال الخلايا الشمسية كان عام 2009، وفي خلال سنوات قليلة تخطت كفاءتها تقنيات أخرى استغرق تطويرها ما يزيد على نصف القرن، مثل تكنولوجيا خلايا السيليكون السائدة تجاريا في الوقت الحالي".
وأضاف: "خلايا البروفسكايت جذبت اهتمام العلماء بشكل كبير بسبب خصائص المواد المصعنة لها، حيث يمكنك تصميم وتعديل تركيبها الكيميائي بحيث تمتص جزءا معينا من ضوء الشمس بكفاءة عالية، كما يمكن طباعتها على الزجاج أو بعض أنواع البلاستيك بطرق أشبه بطباعة الورق، وتحضير مساحات كبيرة من الخلايا الشمسية عالية الكفاءة في وقت قصير وبتكاليف قليلة جدا، مقارنة بالتكنولوجيا الحالية القائمة على مادة السيليكون".
واستطرد الدماصي: "لا يزال هناك العديد من التحديات أمام مواد البروفسكايت، في مقدمتها الثبات والعمر الافتراضي حيث لا يتعدى عمرها في أفضل الأحوال حاليا 5 سنوات، في حين أن الخلايا الشمسية المبنية على السيليكون ثابتة لنحو 20 عاما".
وتابع الباحث المصري: "نتيجة تركيز العالم على خلايا البروفسكايت الشمسية وتهافت العلماء من عدة تخصصات على دراستها وفهم آليات انتقال الإلكترونات والشحنات بداخلها، ازداد عدد الأبحاث المنشورة في هذا المجال بشكل تدريجي ليصل لنحو 3 آلاف بحث سنويا، وهو رقم مذهل يعكس رهان العلماء على هذا النوع الواعد من الخلايا، لكن هذا التطور السريع أضاف تحديا كبيرا للعلماء العاملين في هذا المجال حيث يستحيل أن يتابع أحدهم هذا الكم الكبير من الأبحاث المنشورة ويتتبع التطور العلمي بشكل مستمر، وبالتالي لا يتمكن الباحثون أن يكونوا على دراية بكل ما يحدث في تخصصهم، مما تسبب في فجوات علمية داخل المجال".
وقال الدماصي: "من هنا وفي هذا السياق قررت مجموعة من الباحثين تقودهم الدكتورة إيفا أونغر بمعهد هيلمهولتز برلين للطاقة والمواد في ألمانيا، إنشاء قاعدة بيانات علمية عالمية مفتوحة المصدر، الهدف منها تجميع البيانات المنشورة عن كل خليه شمسية صنعت بهذه التكنولوجيا وعرضها بشكل معلوماتي تفاعلي على الإنترنت، وبالفعل عقد عدد كبير من المحاضرات التعريفية لجذب شباب الباحثين من أفضل الجامعات والمراكز البحثية للانضمام للمشروع".
وبالفعل اقتنع حوالي 80 باحثا بالفكرة، كان من بينهم الدماصى من معهد بحوث البترول المصري، وفي الفترة من أواخر 2019 وحتى منتصف 2020، قرأ هؤلاء الباحثون أكثر من 20 ألف بحث علمي منشور في هذا المجال، واستخرجوا نحو 100 معلومة عن كل خلية من مجموع 42200 خلية شمسية نشرت في هذا المجال حتى وقت انتهاء الدراسة، بحسب الدماصي الذي أكد أن هذا "يضعنا أمام ملايين المعلومات العلمية الدقيقة التي تتضمنها قاعدة البيانات النادرة تلك".
وشدد الدماصي على أن "أهمية هذه القاعدة المعلوماتية تنبع من أنها ستتيح معلومات كان من الصعب، بل من المستحيل، الحصول عليها قبل ذلك، فعلى السبيل المثال هناك شكل بياني (مرفق) يوضح عدد الأبحاث المنشورة وكفاءة الخلايا الشمسية في كل بحث خلال الأعوام الماضية، وهذا الشكل رسم استخلاصا من أكثر من 20 ألف بحث علمي، وهو ما كان مستحيلا في الماضي قبل وضع قاعدة البيانات المذكورة".
وأوضح: "الأمر لا يقتصر على ذلك، بل تعتبر هذه القاعدة البيانية منجم ذهب لعلماء تعلم الآلة Machine learning، حيث يمكنهم برمجة خوارزميات معينة تبتلع تلك الكمية المهولة من البيانات وتستنتج من نفسها الاتجاهات المستقبلية المحتملة لتطوير هذا النوع من الخلايا الشمسية، حيث يمكن أن تخبرنا الخوارزميات بأفضل التركيبات الكيميائية التي يجب أن نعتمد عليها لتحقيق أعلى كفاءة ممكنة وأفضل معمارية للخلايا الشمسية، حتى نحقق أعلى ثبات وأطول عمر للخلايا المنتجة، وغيرها الكثير من الاستنتاجات التي يعكف حاليا جيش من العلماء على دراستها بعد نشر الورقة البحثية في دورية (نيتشر إنرجى) الشهيرة".
تجدر الإشارة إلى أن الدماصي باحث مصري بمعهد بحوث البترول بالقاهرة ومعهد هيلمهولتز برلين للطاقة والمواد بألمانيا، وحصل على بكالريوس العلوم في الكيمياء عام 2011، ثم التحق بمعهد بحوث البترول المصري للعمل كباحث مساعد في مجال الإضافات البترولية، وخلال عمله هناك ساهم في تطوير العديد من الإضافات الكيميائية وتطبيقها على بعض أنواع زيوت البترول الخام في مصر.
بعد حصوله على الماجستير، قرر الدماصي تغيير تخصصه بالكامل والسفر لألمانيا للحصول على الدكتوراه في أحد أحدث مجالات الخلايا الشمسية وأسرعها نموا وتطورا، وانضم لمجموعة البروفيسور أنطونيو أباتا أحد أفضل الأساتذة عالميا في هذا المجال، وخلال مدة لا تتجاوز 3 سنوات نجح في نشر نحو 17 بحثا علميا في أكبر المجلات المتخصصة بمجال المواد والطاقة، كما شارك كمتحدث في عدد من المؤتمرات العلمية الكبرى في ذات التخصص.
كذلك شارك الدماصى في مؤسسة العيادة التعليمية، التي نجح خلالها في تقديم النصح والإرشاد لعدد كبير من الطلاب المصريين والعرب الراغبين في الحصول على منح دراسية بالخارج.