عندما بدأ العالم حملات التطعيم ضد فيروس كورونا المستجد، سرى الاعتقاد بأن عدم توافر الجرعات سيكون أكبر عقبة أمام إفريقيا، لأن بلدان القارة فقيرة ولن تستطيع شراءه في ظل تنافس دولي محموم، لكن تبين فيما بعد أن ثمة عقبات أخرى كثيرة لا تقل تعقيدا.
وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، فإن حملات التطعيم ضد فيروس كورونا المستجد تواجه عدة عراقيل في إفريقيا؛ من بينها ضعف أنظمة الرعاية الصحية وعجزها عن تلقيح الناس، لا سيما أن التطعيم يحتاج إلى جوانب لوجستية مثل أجهزة التبريد، إضافة إلى الموارد البشرية ممثلة في طواقم التمريض.
واستطاعت بعض دول إفريقيا أن تحصل على شحنات من اللقاح، سواء عبر الشراء أو إنها استفادت من مبادرة "كو فاكس" الدولية لمساعدة الدول النامية، لكنها لم تستطع أن تلقح سوى نسبة محدودة من السكان.
وتشير بيانات الصحة، إلى أن 7.8 في المئة فقط من سكان القارة الإفريقية تلقوا تطعيما ضد فيروس كورونا، في حين يصل إجمالي سكان القارة إلى 1.4 مليار نسمة.
وتلقت إفريقيا 404 مليون جرعة من اللقاحات المضادة لكورونا حتى الآن، وسط مخاوف من أن يؤدي ضعف التطعيم في هذه القارة إلى ظهور متحورات خطيرة ربما تربك الجهود العالمية لتطويق الوباء في كل مكان، بما في ذلك الدول المتقدمة.
وتصطدم حملات التطعيم بعقبات ضعف التكنولوجيا في دول القارة السمراء، إضافة إلى عدم مراكمة تجربة طويلة في تلقيح البالغين ضد العدوى التي ظهرت في الصين، أواخر 2019، ثم تحولت إلى وباء عالمي.
وتنضاف هذه العقبات إلى ارتياب كثيرين إزاء اللقاحات، في ظل حملات التضليل التي تشكك في جدوى اللقاحات المضادة لكورونا، وهو أمرٌ تعانيه الدول المتقدمة بدورها، مما يؤدي إلى إعراض الناس عن التطعيم.
عقبات بالجملة
ويروج بعض المهووسين بنظرية المؤامرة مزاعم بأن وباء كورونا مخطط رتبه الأوروبيون حتى يقضوا على الأفارقة، كما يردد آخرون أن مؤسسة شركة "مايكروسوفت"، بيل غيتس، يقود حملة من أجل خفض عدد سكان العالم.
وتشير الصحيفة الأميركية إلى عامل آخر لا يقل أهمية هو عدم المبالاة باللقاح، لأن ما يشغل الناس بدرجة أولى هو تردي الوضع الاقتصادي وليس فيروس كورونا المستجد، حتى وإن سمع الناس عن المضاعفات الخطيرة لمرض "كوفيد 19".
وتقول برنارديت كواندو، وهي من سكان أحد الأحياء الشعبية في أطراف العاصمة الزامبية لوساكا "بودي لو آخذ اللقاح ضد فيروس كورونا، لكني أعمل من الاثنين حتى السبت، ولا أعرف ما إذا كانوا يعملون يوم الأحد".
وإزاء هذا التعثر في التطعيم، تجد إفريقيا نفسها أمام مشكلتين بارزتين؛ أولاهما أن وتيرة التلقيح بطيئة ولا تساعد على تفادي وفيات كثيرة وسط من يصابون بفيروس كورونا.
أما المشكلة الثانية فهي أن كثرة إصابات كورونا، في ظل ضعف التلقيح، تتيح تربة خصبة أمام ظهور المتحورات التي تربك العالم، وتجعل اللقاحات التي جرى تطويرها حتى الآن موضع تساؤلات وبحث، لأن الطفرات المتوالية قد تنال من الحصانة المناعية التي يمنحها التطعيم.
وينبه خبراء إلى أن جرعات كثيرة يجري التبرع بها لدول إفريقية فقيرة تكون قريبة من تاريخ انتهاء الصلاحية، وهذا الأمر يعني أن الاستفادة منها تتطلب عملا سريعا للغاية، وهذه السرعة لا تتحقق دائما في الدول الفقيرة.