بالتزامن مع تفاقم أزمة تغير المناخ، باتت الفيضانات تمثل إحدى أكبر التهديدات التي تواجه البشرية؛ إذ أنها تعطل جهود التنمية المستدامة، كما تتسبب في تضرر قطاعات كبيرة من البشر، يفوق عددهم أعداد المتضررين من أي خطر بيئي آخر.
ومؤخرًا، قام باحثون من جامعات أميركية بتحليل صور يومية التقطتها الأقمار الاصطناعية، لتتبع الفيضانات في الفترة من عام 2000 حتى 2018، ثم قاموا بتوثيق نتائج جهودهم في دراسة نُشرت في مجلة "نيتشر" المرموقة في أغسطس الماضي.
عِقدان من الفيضانات
وفي حوار مع موقع "سكاي نيوز عربية"، كشفت باحثة الجغرافيا البشرية والبيئية بجامعة أريزونا، والباحثة الرئيسية بالدراسة بيث تيلمان؛ مخاطر الفيضانات على البشر، ومعدل زيادتها، وكذلك المناطق الجغرافية الأكثر تهديدًا، كما قدمت مقترحات من واقع الدراسة للتكيف مع الفيضانات.
وتقول تيلمان إنّ الدراسة استخدمت صور الأقمار الاصطناعية بدقة 250 مترًا لرسم خرائط لـ913 فيضانًا كبيرًا من 2000-2018 حول العالم.
وتضيف لموقع "سكاي نيوز عربية" أن من بين الأمور اللافتة في هذه الدراسة أنهم رصدوا معدل كثافة سكانية مرتفعا في المناطق التي ضربتها الفيضانات؛ مقارنة بعدد السكان في مناطق أخرى بنفس الدولة، وهو ما يعني أن هناك توجهًا نحو التنمية في المناطق المعرضة للفيضانات.
وبشيء من التوضيح، تقول تيلمان إن الأرقام كشفت أن نحو 86 مليون شخص يميلون إلى المناطق التي تغمرها الفيضانات خلال العقدين الماضيين، كما أنّ ما يقرب من 90 في المئة من حوادث الفيضانات وقعت في جنوب وجنوب شرق آسيا.
نتائج صادمة
وتوصلت تيلمان وزملاؤها إلى نتائج صادمة بعد تحليل صور الأقمار الاصطناعية؛ حيث كشف التحليل النهائي انتقال ما بين 58 مليون و86 مليون شخص إلى مناطق الفيضانات المرصودة بين عامي 2000 و2015، مما يمثل زيادة بنسبة 20 إلى 24 في المئة في نسبة السكان المعرضين للفيضانات.
كما أنَّ المساحة الإجمالية التي غُمِرَت بمياه الفيضانات خلال مدة الدراسة بلغت 2.23 مليون كيلومتر مربع، وأنّ عدد الذين وقع عليهم ضرر مباشر من جرَّاء الفيضانات تراوح بين 255 و290 مليون نسمة.
وبحلول عام 2030، سيضيف التغير المناخي والديموغرافي 25 دولة جديدة إلى 32 دولة تعاني بالفعل من الفيضانات المتزايدة، فمن المحتمل أن يتعرض نحو 179 مليون شخص إضافي للفيضانات، حسب تقدّيرات الباحثين.
وسجلت الدراسة ملاحظات جديرة بالاهتمام؛ حيث كشفت بيانات الأقمار الاصطناعية عن زيادات لم يتم رصدها من قبل، في التعرض للفيضانات بالشرق الأوسط، وجنوب آسيا وجنوب أميركا اللاتينية.
حلول مقترحة
وتقول بيث تيلمان إن هذه الدراسة يمكن أن تساعدنا في تحديد الأولويات؛ حيث نحتاج إلى الاستثمار في التكيف مع الفيضانات، والحدّ من تعرض السكان لمخاطرها.
وفي هذا المضمار تقترح الباحثة الأميركية خمسة حلول لمواجهة الفيضانات: الحل الأول؛ تطوير قوانين تقسيم أفضل للمناطق الجغرافية؛ بحيث لا يتم توجيه التنمية في السهول الفيضية وتعريض الناس والبنية التحتية للخطر.
فيما قالت تيلمان إن الحل الثاني يتلخص في الاستثمار في الدعم المالي، وخاصة من خلال برامج الإسكان العام، لمساعدة السكان على الانتقال إلى خارج السهول الفيضية، "في بعض الحالات، ستحتاج الحكومات التي تعاني من نقص الموارد إلى دعم مالي من برامج دعم التكيف مع المناخ".
الحل الثالث للأزمة، يتعلق بالتأكد من وجود أنظمة إنذار مبكر، أو بروتوكولات إخلاء، أو تأمين ضد الفيضانات لحماية السكان، وتوفير تكنولوجيا المراقبة في الوقت الفعلي من قبل الأقمار الاصطناعية.
إلى جانب ذلك، يتمثل الحل الرابع في إصلاح السدود والدفاعات ضد الفيضانات لضمان عدم انهيارها وتعريض الملايين للخطر؛ حيث يمكن أن تحمي السدود التي تعمل بشكل جيد ملايين الأشخاص.
وبحسب الباحثة بجامعة أريزونا، فإن الحل الخامس الذي تقترحه، من خلال الاستحواذ على الأراضي الطبيعية في السهول الفيضية والحفاظ عليها، بما يسمى بحفظ السهول الفيضية، للحد من أضرار الفيضانات المستقبلية.
يشار إلى أن فريق تيلمان تضمن باحثين من "Cloud to Street" ووكالة ناسا وجامعة كولورادو وجامعة أريزونا وجامعة كولومبيا وجامعة واشنطن وجامعة تكساس وجامعة ميشيغان.