تأثير تغيُّر المناخ على البحار والمحيطات قد يؤدي لاختفاء دول وظهور أخرى، فالأمر لن يقتصر على ما هو على سطح الأرض، بل سيصل إلى ما تحت البحر.
وعلى الرغم من انعقاد قمة غلاسكو، التي انطلقت اليوم الاثنين، لمناقشة تأثير تغيُّرات المناخ؛ إلا أنّه من "المستبعد" مناقشة تأثير تغير المناخ على البحار والمحيطات.
أين تكمن المشكلة؟
وتشير دراسات عديدة إلى أنَّ الأزمة تكمن في أنّ المحيطات تمتص كميّات هائلة من الحرارة، نتيجة لزيادة تركيزات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوّي.
وتقول دراسة نشرتها الهيئة الحكومية الدولية المعنيّة بتغير المناخ في 2013 إلى أنّ المحيط امتص أكثر من 93 في المئة من الحرارة الزائدة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري منذ السبعينيات.
وفي عام 2012؛ نُشرت ورقة بحثية في مجلة "رسائل البحث الجيوفيزيائي" تؤكد أنَّ أعماق المحيط تتأثر أيضًا، حيث تمتص ثلث الحرارة الزائدة 700 متر تحت سطح البحر، وسط توقعات بزيادة درجة حرارة المحيطات العالمية من 1 لـ4 درجة مئوية بحلول عام 2100.
حماية البشر
قدرة المحيطات على امتصاص الحرارة الزائدة أدت لحماية البشر من التغيُّرات المناخية الأكثر سرعة، ولولا هذا لكانت درجات الحرارة العالمية سترتفع أكثر بكثير مما عليه الآن.
وقدّر تقرير التقييم الرابع للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الذي نُشر في عام 2007 أن الأرض قد شهدت ارتفاعًا في درجة حرارة الأرض بمقدار 0.55 درجة مئوية منذ السبعينيات.
ووفقًا لتحليل أجراه معهد غرانثام لتغيُّر المناخ، إذا كانت نفس كمية الحرارة التي وصلت إلى أعلى 2000 متر من المحيط بين عامي 1955 و2010 قد انتقلت إلى أدنى 10 كيلومترات من الغلاف الجوي، فإن الأرض ستشهد ارتفاعًا في درجة حرارة الأرض بمقدار 36 درجة مئوية.
الأمن الغذائي
تواجه جميع الأسماك البحرية مخاطر عالية جدًا من ارتفاع درجات الحرارة، بما في ذلك المستويات العالية من الوفيات وفقدان مناطق التكاثر والتحركات الجماعية حيث تبحث الأنواع عن ظروف بيئية مواتية.
وتتأثر الشعاب المرجانية أيضًا بارتفاع درجات الحرارة مما يتسبب في أبيضاض المرجان ويزيد من خطر تعرضها للوفاة.
ولن يكون البشر أيضًا بمنأى عن هذه المخاطر؛ ففي تقرير صدر عام 2012، من منظمة "فاو" أن مصايد الأسماك البحرية والمياه العذبة وتربية الأحياء المائية تزود 4.3 مليار شخص بحوالي 15٪ من البروتين الحيواني.
واحترار المحيطات سيؤثر، حتمًا، على الأمن الغذائي، وسبل عيش الناس على مستوى العالم، بسبب تغيير توزيع الأرصدة السمكية وزيادة تعرض الأنواع السمكية للأمراض.
وسيؤثر ارتفاع مستويات سطح البحر والتعرية بشكل خاص على البلدان الجزرية المنخفضة في المحيط الهادئ، مما يؤدي لتدمير المساكن والبنية التحتية وإجبار الناس على الانتقال.
ويرتبط ارتفاع درجات حرارة المحيط بزيادة وانتشار الأمراض في الأنواع البحرية، ويخاطر البشر بالانتقال المباشر لهذه الأمراض عند تناول الأنواع البحرية.
ويقول أستاذ العلوم بجامعة عين شمس، نور الدين أحمد، إنَّ هناك حاجة ملحة لتحقيق أهداف التخفيف التي حددتها اتفاقية باريس بشأن تغيُّر المناخ والإبقاء على الزيادة في متوسط درجة الحرارة العالمية أقل بكثير من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي.
ويشير في تصريحات خاصّة لموقع "سكاي نيوز عربيّة" إلى أن تأثير تغير المناخ على البحار والمحيطات سيؤدي لارتفاع درجة حرارة الأرض.
سيناريوهات مرعبة
ويتابع: "مع انخفاض مستوى الجليد في القطب الشمالي والجنوبي سيؤدي لارتفاع مستوى البحار، وهو ما سيؤدي لغرق أي أرضٍ منخفضة عن مستوى البحار".
ويضيف: "الأمر الثاني الذي يهدد البحار والمحيطات هو التلوُّث خاصّةً وأنّ 3 أرباع المواد الملوُّثة يتم إلقاءها في المياه".
ويستشهد أستاذ العلوم بأنَّ البحر الأبيض المتوسط من أكبر البحار المُلوّثة في العالم، ومعدل تغيير المياه تقريبًا يحدث مرة واحدة كل 80 عامًا".
وعن تأثير ذلك يقول: "يحدث انقراض لأنواع كثيرة من الكائنات الحيّة؛ فإذا كانت سمكة تعتاد الحياة على درجة حرارة 5 درجة مئوية، وتلوُّث بدرجة محددة في المياه، حين ترتفع تلك المستويات تنقرض هذه الأنواع"، مشددًا على أنَّ "درجة حرارة المحيطات تختلف من زمنٍ لزمنٍ".
وأوضح أنّ ارتفاع مستوى البحار سيخفي دولًا كثير، مستشهدًا بدولة مثل هولندا التي تقع على أرض منخفضة، والتي إذا ارتفع مستوى البحار بها سيغرقها تمامًا.
حلول ممكنة
وعدّد نور الدين أحمد بعض الحلول التي يمكن من خلالها الحفاظ على مستويات البحار والمحيطات من تأثيرات تغيُّر المناخ.
واستطرد بالقول: "التوسُّع في استخدام الطاقة النظيفة، فمثلًا عصر النهضة كان عصر الفحم، ثم بعد ذلك عصر البترول، لكن لابد أن يكون العصر المقبل هو عصر الكهرباء خاصّة وأنّ الدول تستطيع توليد الكهرباء من الطاقة النظيفة".
وأردف: "التوسُّع في الزراعة، زراعة الأشجار والغابات، لتقليل تأثير تغيُّر المناخ على البحار والمحيطات، فزراعة أشجار الغابات تمتص الحرارة، وتساعد في انخفاض درجات بشكل عام".
وشدد على الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتحقيق أهداف التخفيف التي حددتها اتفاقية باريس بشأن تغيُّر المناخ والإبقاء على الزيادة في متوسط درجة الحرارة العالمية أقل بكثير من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي".