تحقق البشرية تقدماً ملموساً ومتسارعاً في مهام استكشاف الفضاء، بما يشكله ذلك من أهمية قصوى لحياة البشر، ذلك على رغم ما تنطوي عليه تلك المهمات من صعوبات جمّة تتطلب إعداداً طويلاً وشاقاً.
وبعيداً عن الصعوبات المادية والفنية والتكنولوجية وعوامل الأمان، فثمة تحديات مرتبطة بـ "آثار رحلة الفضاء على جسم الإنسان"، باعتبار أنه تم رصد عديد من الآثار الصحية السلبية والخطيرة على جسم رواد الفضاء.
وينشغل عديد من العلماء بمسألة "الآثار الصحية على جسم رواد الفضاء" وكيفية معالجتها والتصدي لها، وذلك عبر إرسال "رواد فضاء مُعدلين" بشكل يتناسب والأجواء خارج الغلاف الجوي، لا سيما فيما يتعلق بالإشعاع الكوني وتأثيراته على جسم رواد الفضاء.
استئصال الطحال
وقبيل أيام، نقلت وكالة "نوفوستي" الروسية، عن مدير معهد الدراسات الطبية البيولوجية بأكاديمية العلوم الروسية، أوليغ أورلوف، قوله إن علماءً روس وأميركيين يبحثون فكرة استئصال الطحال لدى رواد الفضاء قبل الرحلات الطويلة؛ للتقليل من الضرر الإشعاعي.
يسلط ذلك الضوء على أفكار إرسال "رواد فضاء معدلين"، التي تحدث عنها في وقت سابق رئيس قسم الأمن الإشعاعي في معهد الدراسات الطبية والإشعاعية، فياتشيسلاف شورشاكوف، في نهاية عام 2019، والذي تطرق لإمكانية استبدال عدسات اصطناعية بعدسات العين لدى رواد الفضاء، فضلاً عن "علاج مسبق لمنطقة في الدماغ" في مواجهة آثار الأشعة الكونية ومخاطر الإصابة بألزهايمر.
أفكار قيد الدراسة
نائب رئيس المركز الإقليمي لعلوم وتكنولوجيا الفضاء بالأمم المتحدة علاء النهري، يقول في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن مسألة الحديث عن إرسال "رواد فضاء معدلين" بما يتطلب إجراء بعض العمليات الجراحية قبل إرسالهم للفضاء من أجل الوقاية من آثار الأشعة الكونية هي أفكار قيد الدراسة من قبل العلماء منذ فترة طويلة، ولم يتم حسمها والتيقن منها عملياً.
ويشير إلى أن الأمر الذي لا خلاف عليه هو "خطورة تأثير الأشعة الكونية على رواد الفضاء، ومن ثمّ الجهود تُبذل من جانب العلماء وعلماء الفضاء من أجل تطوير أدوات مختلفة لتخفيف التعرض لتلك الأشعة"، موضحاً أن "رائد الفضاء يخضع لاختبارات صحية ونفسية، وتدريبات علمية وبدنية دقيقة".
ولا تحجب بذلة الفضاء الأشعة الكونية عن رائد الفضاء الضارة، لاسيما أن تلك الأشعة تحتاج حواجز ثقيلة من الرصاص.
وتعتبر بيئة الفضاء "قاتلة" إن لم تكن هناك حماية مناسبة، في ظل "الفراغ" الذي يعرض رائد الفضاء لخطر التركيز الجزئي أو الضغط الجزئي من الأكسجين، بما قد يؤدي إلى فقدان الوعي ثم الوفاة بسبب نقص التأكسج. ذلك علاوة على تأثير "درجة الحرارة" وكذلك التعرض إلى مستويات عالية من الإشعاع، والذي ربط العلماء بينه وبين زيادة عدد حالات إعتام العين لدى رواد الفضاء. كما يؤدي -طبقاً لدراسة دعمتها وكالة الفضاء الدولية- إلى الإضرار بالدماغ ويسبب في ألزهايمر.
وفي شهر أكتوبر من عام 2015 صدر تقرير عن المفتش العام بوكالة ناسا، تضمن شرحاً لتلك المخاطر الصحية المرتبطة باستكشاف الفضاء.
تبعات الرحلة
ويوضح النهري أن التعرض للأشعة الكونية لفترات طويلة يتسبب في جملة من المخاطر الصحية التي تظهر على رواد الفضاء، موضحاً أنه بموازاة ذلك فإن رائد الفضاء يظل يعاني لفترات طويلة من تبعات وآثار الرحلة بعد عودته، ليبدأ في التأقلم من جديد على البيئة والحياة على سطح الأرض.
ويلفت إلى أن الأفكار الخاصة باستئصال الطحال أو استبدال عدسة العين، جميعها أمور تدخل في سياق المساعي العلمية من أجل تخفيف أو الوقاية من حدة تأثير الأشعة الكونية، ولا تزال محل الدراسة من قبل العلماء، جنباً إلى جنب وجهود تطوير المركبات وغير ذلك بما يضمن عدم تعرض رائد الفضاء لتلك الأشعة بشكل كبير.
طب الفضاء
ويتحدث نائب رئيس المركز الإقليمي لعلوم وتكنولوجيا الفضاء بالأمم المتحدة عن "طب الفضاء"، والذي يتعامل مع التطبيقات العلمية والتكنولوجية لوقاية رواد الفضاء من التعرض لمخاطر تهدد الصحة، موضحاً أن ذلك العلم لا يزال بحاجة إلى مزيد من التطوير، وهو جزء من التطور الذي يشهده علم الفضاء بشكل عام، بينما الاهتمام الأكبر منصب على الطواقم الفضائية وتصميم المركبات، ويحتاج طب الفضاء الكثير من الأبحاث والدراسات.