يظهر استخدام تقنية الواقع الافتراضي في علاج العديد من المشاكل النفسية، نجاحا لافتا، ولاسيما بمواجهة اضطراب ما بعد الصدمة، والقلق، والرهاب، وهي أمراض آخذة في الازدياد بعد شهور من تفشي جائحة كوفيد-19، وما رافقها من الهواجس، في ظل إغلاقات وعزلة وتباعد اجتماعي.
وتتيح التقنية للمرضى مواجهة مخاوفهم وذكرياتهم القاسية المرتبطة بمنشأ معاناتهم، لتثبت لهم أنهم يستطيعون البقاء على قيد الحياة من خلال زيارة تجاربهم القديمة بمحاكاة افتراضية.
وقد درس الأكاديميون إمكانات تقنية الواقع الافتراضي في علاج اضطرابات القلق منذ التسعينيات، واكتسبت الممارسة زخما متزايدا بعد أن تطورت التكنولوجيا وأصبحت الأجهزة ميسورة التكلفة.
وكان جهاز الواقع الافتراضي، الذي استخدم لعلاج الناجين من اعتداءات 11 سبتمبر، يكلف حوالي 25 ألف دولار، بينما يبلغ متوسط ثمنه اليوم أقل من 300 دولار.
وأشارت دراسة أجرتها المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها في أبريل، إلى زيادات كبيرة في ظهور أعراض اضطرابات القلق.
وأبلغ العاملون في مجال الرعاية الصحية عن ارتفاع معدلات اضطراب ما بعد الصدمة أثناء الجائحة. وبحسب دراسة أجريت في فبراير على 1000 عامل في الخطوط الأمامية، فإن ما يقرب من ربعهم أظهر علامات محتملة للاضطراب.
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن الدكتورة نومي ليفي كاريك، وهي مشرفة خدمات الطب النفسي للمرضى الخارجيين في مستشفى "بريغهام والنساء" في بوسطن، أن الجائحة "تسببت في صدمة للعديد من الأشخاص بطرق عديدة".
وأضافت الطبيبة أن الحزن، والعزلة، والاضطراب الاقتصادي، وغياب الأمن الغذائي والسكني، و"الإجهاد السام" للإغلاق، وتصاعد العنف المنزلي أثناء الجائحة، يمكن أن تكون كلها ضغوطا مؤلمة.
تجربة جندي مصاب باضطراب ما بعد الصدمة
أوردت صحيفة "نيويورك تايمز" تجربة الجندي في مشاة البحرية الأميركية، كريس ميركل، الذي أصيب بعد خدمته الطويلة في كل من العراق وأفغانستان، بأعراض شديدة لاضطراب ما بعد الصدمة، فكان يشعر بالتوتر دائما، ويغضب بسهولة، ويتجنب التفكير أو الحديث عن الوقت الذي قضاه في الخدمة.
وبعد شهور، وعندما تفاقمت الأعراض وشعر ميركل باليأس من الحصول على حل لمشاكله النفسية، قرر تجربة العلاج بمحاكاة ذكرياته المؤلمة من خلال تقنية الواقع الافتراضي، في مستشفى المحاربين القدامى في لونغ بيتش، بكاليفورنيا.
وقال ميركل إن التفاصيل خلال تجارب المحاكاة كانت دقيقة للغاية، من حيث الشاحنة العسكرية، ووزن البندقية في يديه، ومنظر الرمال خلال الليل، وإطلاق النار عليه.
وخلال التجربة، وعندما أصبح بمواجهة ذكريات كان يتجنبها لأكثر من 10 أعوام، كانت عضلاته متوترة، وتسارع نبض قلبه، وشعر بالرعب، وقال إن "جسدي كان يتفاعل، لأن عقلي كان يقول: إن هذا يحدث لنا."
وبعد الانتهاء من جلسة العلاج الأولى بتقنية الواقع الافتراضي، شعر أن مواجهة الماضي أثبتت له أنه يستطيع مواصلة حياته، وأن الجلسة "كانت أكبر قفزة" في رحلته العلاجية المستمرة منذ سنوات.
وبعد حوالي سبع جولات من المحاكاة بتقنية الواقع الافتراضي، بدأ ميركل يستعيد أجزاء من ذاكرته، التي تجنبها دماغه كاستجابة شائعة لاضطراب ما بعد الصدمة.
وقال ميركل إنه شعر وكأنه في رواية خيالية وأن "الشر يخرج من جسده"، والعلاج يعمل، وأصبح أقل خوفا من ذكرياته ومن نفسه، وشعر أخيرا بالتحسن.
تخفيف الإرهاق والتوتر
ويستخدم العديد من الأطباء والمؤسسات تقنية الواقع الافتراضي لعلاج اضطرابات أخرى. فأثناء جائحة كوفيد-19، اختبرها باحثون من جامعة "جونز هوبكنز"، لتقليل الإجهاد والإرهاق لدى عاملين في المجال الطبي.
وفي إحدى التجارب، التي شارك فيها 50 من العاملين الطبيين في قسم مخصص لعلاج مرضى كوفيد-19، واختبروا خلالها تأملات لحقول وشلالات متحركة، أبلغ جميع المشاركين، باستثناء واحد، عن انخفاض مستويات التوتر لديهم.
يذكر أن منتجات العلاج بالواقع الافتراضي الموجهة للمستهلكين، لا تزال نادرة في الوقت الحالي، ولا يغطي التأمين الطبي سوى القليل منها، وغالبا ما تشترط الشركات التي تبيعها، استخدامها بوجود مختصين.