سيكون العرب، غدا الثلاثاء، على موعد مع التاريخ وأولى خطواتها العلمية الرائدة بمجال الفضاء وعلومه عندما يبلغ "مسبار الأمل" غاية رحلته بالوصول إلى الكوكب الأحمر.
وذكرت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية "وام" أن دولة الإمارات بهذا الإنجاز تسجل اسمها بأحرف من ذهب في سجل الدول الرائدة في ارتياد الفضاء وعلومه ولتحقق حلم الرئيس المؤسس، الشيخ الراحل زايد بن سلطان آل نهيان.
و"مسبار الأمل" يعد أول مسبار عربي ينطلق خارج مدار الأرض سيكون في حال نجاحه بتخطي الدقائق الـ27 العمياء والوصول إلى مدار الالتقاط في الموعد المحدد، أول الواصلين تليه مركبة الفضاء الصينية "تيانوين-1" ومركبة الفضاء الأميركية " بيرسيفيرانس" اللتان تقصدان الغاية نفسها كوكب المريخ.
وتصبح الإمارات خامس دولة في العالم تصل إلى مدار المريخ، وثالث دولة في العالم تصل إلى مدار الكوكب الأحمر من المحاولة الأولى.
وسيحاول المسبار لدى اقترابه من كوكب المريخ الدخول إلى مدار التقاط حول المريخ، ويتم تخفيض سرعة المسبار قبل 30 دقيقة من الوصول للمريخ لضمان التقاط آمن وسلس.
ويستغرق استقبال إشارات الراديو من المريخ إلى الأرض حوالي 20 دقيقة، ولتخطي هذا التحدي فقد صمم "مسبار الأمل" بطريقة يستطيع من خلالها إكمال عملية الالتقاط بشكل آلي دون الحاجة للتحكم من المحطة الأرضية.
ويتوقع فريق التحكم الأرضي استقبال أول إشارة من المسبار في المحطة الأرضية بمجرد وصولها إلى الأرض من أسرع نقطة.
المهام الثلاث
وسيلتقط "مسبار الأمل" صورته الأولى للمريخ أثناء مروره بالمدار البيضاوي المعروف أيضاً باسم "مدار الالتقاط" وهو المدار الأقرب للكوكب، وبعد نجاحه في الانتقال من مدار الالتقاط إلى المدار العلمي سيبدأ المسبار مهمته العلمية.
وتصل مركبة "تيانوين-1" الصينية بعد يوم واحد من وصول "مسبار الأمل"، وذلك في العاشر من فبراير، وفي حال نجحت المركبة في الهبوط على سطح المريخ، ستكون المرة الأولى التي تنجح فيها جمهورية الصين الشعبية في الهبوط على سطح المريخ وثاني دولة تنجح في القيام بذلك بعد الولايات المتحدة التي تعد الدولة الوحيدة التي نجحت في انزال مركبة فضائية على سطح المريخ حتى الآن.
وتهبط مركبة "بيرسيفيرانس" الأميركية على فوهة "جيزيرو" التي كانت في وقت مضى مزدهرة بالمياه، وستعكف على البحث عن دلائل وجود حياة سابقة أو ميكروبية على سطح الكوكب الأحمر.
وستعمل المهام الثلاث من أجل الهدف نفسه، وإن بشكل منفصل لاستكشاف الكوكب الأحمر وستقوم كل مهمة بتوفير معلومات قيمة ومفصلة من أجل الوصول لفهم أفضل وأشمل للغلاف الجوي للمريخ وسطحه، وسيعمل "مسبار الأمل" بشكل خاص على رسم أول خريطة لمناخ وطقس الكوكب بأكمله.
وستكون جميع هذه الاكتشافات نقلة نوعية على طريق فهم مناخ الكوكب الأحمر وغلافه الجوي الذي بدوره يعد عاملا أساسيا في تمهيد الطريق لإقامة أول مستوطنة بشرية مستقبلية على سطح كوكب آخر غير كوكبنا "الأرض".
وكوكب المريخ، التوأم العجوز لكوكب الأرض، يعد الخيار الأمثل لإنشاء أول مستوطنة بشرية في كوكب خارجي حيث أن جميع الأدلة العلمية والأبحاث حول الكوكب تثبت أنه كان يوما ما مزدهراً بالمياه والجو الرطب وأن غلافه الجوي كان في يومٍ ما أيضا ثقيلاً كثقل غلافنا الجوي.
وكشفت النمذجة المناخية الحديثة النقاب عن أن كوكبي المريخ والزهرة كانا في الماضي شبيهين جداً بالأرض، غير أن المريخ بدوره يعد الخيار الأمثل نظراً لاستقرار درجات الحرارة على سطحه مقارنةً بكوكب الزهرة المُلتهب.
ولن تتوقف جهود "مسبار الأمل" عند تصوير الخريطة الكاملة لطبقات الغلاف الجوي بل ستسهم البيانات والمعلومات المتحصل عليها في هذا الشأن في دراسة وفهم طقس الكوكب وتغييراته.
وستعطي نتائج هذه المعلومات القيمة فكرة أكثر ثراءً للعلماء المعنيين بشأن كيفية التغلب على صعوبات الدخول إلى الكوكب الأحمر، فضلاً عن دراسة كيفية الاستعانة بالغازات والجو المتاح في الكوكب الأحمر لبحث مصادر أكثر استدامة للعيش والبقاء على الكوكب كالغذاء والطاقة.
وجود بشري خارج الأرض
وأول مستوطنة بشرية على الإطلاق خارج كوكب الأرض لن تكون على كوكب المريخ، بل ستكون على سطح القمر الذي يعد المكان الأنسب للأبحاث والتجارب بسبب قربه من كوكب الأرض، والغلاف الجوي الرقيق جداً الذي يتميز به، ونظرا لكون البشر سبق وأن زاروا القمر ولديهم الاستعداد لزيارته مرة أخرى.
وبحلول عام 2030، سيكون الجنس البشري على موعد مع إقامة أول مستوطنة مأهولة على سطح القمر ستمهد الطريق إلى مستوطنة مماثلة على سطح المريخ الأكثر تحديا وصعوبة.
إن تحقق هذه النقلة العلمية المهمة في قطاع الفضاء لن تكون ممكنة ما لم تتكاتف وكالات الفضاء المختلفة وتتضافر جهود مختلف الدول حول العالم لوضع قواعد وخطط منظمة لاكتشاف الفضاء.
وللمساهمة في توحيد هذه الأهداف واتمام المهام صوب القمر فقد انضمت دولة الإمارات إلى 7 دول في اتفاقية "أرتميس" وهي اتفاقية دولية لإقامة تعاون سلمي لمواصلة اكتشاف القمر.
مشروع راشد
وكانت دولة الإمارات أعلنت في سبتمبر من العام الماضي عن مشروع "راشد"، وهي أول مركبة فضائية امارتية سُميت بهذا الاسم تخليداً لمؤسس دبي الشيخ الراحل راشد بن سعيد آل مكتوم، و ستنطلق المركبة الإماراتية إلى القمر في عام 2024.
والهدف الأكبر من وراء كل هذا العمل الدؤوب والجهود العلمية الكبيرة لا يقف عن اكتشاف المريخ أو القمر وإنما اكتشاف الفضاء عموما من أجل فهم شامل لكل ما حولنا بما يصب جميعه في صالح البشرية.
وتظهر هذه الجهود أن الإمارات تأخذ مكانها في هذا المحفل العالمي العلمي الكبير بتدشين رحلة هدفها مستقبل الإنسان والإنسانية لتضع لمستها التي سيخلدها التاريخ و لتواصل دولتنا الفتية طرق أبواب العلم عبر ارتياد الفضاء انطلاقا من المريخ الذي سيكون له ما بعده.