يريد معظم أولياء الأمور أن يبقى أطفالهم بعيداً عن المشاكل، وأن يحسنوا أداءهم في المدرسة، وأن يعيشوا حياة ملؤها النجاح عندما يصبحوا كبارا.
وبينما لا توجد وصفة سحرية محددة لتربية الأطفال الناجحين، فقد أشارت أبحاث علم النفس إلى عدد قليل من العوامل التي تتنبأ بالنجاح.
ومما لا يثير الدهشة، فإن الكثير من تلك العوامل ترجع للوالدين. نورد أهمها:
أولا: تعليم الأطفال الرياضيات في وقت مبكر
في عام 2007 ، وجد التحليل التلوي الإحصائي لـ 35 ألف طفل من أطفال ما قبل المدرسة في الولايات المتحدة وكندا وإنجلترا أن تطوير مهارات الرياضيات مبكرًا يمكن أن يتحول إلى ميزة كبيرة في مستقبل الأطفال.
ويؤكد غريغ دنكان، الباحث في جامعة نورث وسترن على أن إحدى الألغاز التي أظهرتها نتائج الدراسة هي التأكيد على "الأهمية القصوى لتعلم مهارات الرياضيات المبكرة - بدء الدراسة بمعرفة الأرقام، وترتيب الأرقام، وغيرها من مفاهيم الرياضيات الأولية."
ويضيف دنكان "أن إتقان مهارات الرياضيات المبكرة لا يتنبأ بالتحصيل الأكاديمي في الرياضيات في المستقبل فحسب، بل يتنبأ أيضًا بموضوع المهارات الأخرى كالقراءة في المستقبل."
ثانيا: القيام بالأعمال المنزلية
تقول جولي ليثكوت هايمز ، عميدة في جامعة ستانفورد ومؤلفة كتاب "كيفية تربي شخصا" إن دفع الأطفال للقيام بالأعمال المنزلية كإخراج القمامة والقيام بغسيل الملابس الخاصة بهم تضعهم في موقع مسؤول لتعليمهم مهارة كيف يكونوا جزءا من الحياة العامة.
وتضيف هايمز إن الأطفال الذين تربوا على القيام بالأعمال المنزلية يتحولون في المستقبل إلى موظفين يتعاونون بشكل جيد مع زملائهم في العمل، وهم أكثر تعاطفًا لأنهم يعرفون بشكل مباشر ما الذي يعنيه العناء في العمل، كما يمكنهم تولي المهام الرئيسية بشكل مستقل.
ثالثا: تعلم المهارات الاجتماعية
قام باحثون من جامعة ولاية بنسلفانيا وجامعة ديوك بتتبع أكثر من 700 طفل من جميع أنحاء الولايات المتحدة بين رياض الأطفال و 25 عامًا ووجدوا علاقة كبيرة بين مهاراتهم الاجتماعية التي اكتسبوها في رياض أطفال ونجاحهم كبالغين بعد عقدين من الزمن.
وأظهرت الدراسة التي استغرقت 20 عامًا أن الأطفال الذين يمكنهم التعاون مع أقرانهم، ومساعدة الآخرين، وفهم مشاعرهم، وحل المشكلات بأنفسهم، كانوا موفقين أكثر بكثير في الحصول على شهادة جامعية والحصول على وظيفة بدوام كامل في عمر 25 عامًا مقارنة بقرنائهم من ذوي المهارات الاجتماعية المحدودة.
أما أولئك الذين لديهم مهارات اجتماعية محدودة فكانوا عرضة للمسائلة في قضايا لدى أجهزة إنفاذ القانون، والإدمان على الكحول، والتعطل عن العمل، دون مسكن يتملكونه وتقدموا بطلب للحصول على سكن تموله الحكومة.
وقالت كريستين شوبرت، مديرة البرنامج في مؤسسة روبرت وود جونسون، التي موّلت البحث، "تشير هذه الدراسة إلى أن مساعدة الأطفال على تطوير المهارات الاجتماعية والعاطفية هي واحدة من أهم الأمور التي يمكننا القيام بها لإعدادهم لمستقبل صحي".
"منذ سن مبكرة، يمكن لهذه المهارات أن تحدد ما إذا كان الطفل سيتجه نحو أروقة الجامعات أو إلى السجون، وما إذا كان سينتهي به الأمر في نهاية المطاف إلى سوق العمل أو الإدمان".
رابعا: لديهم توقعات كبيرة لمستقبل أبنائهم
باستخدام بيانات من دراسة استقصائية وطنية شملت أكثر من 6 آلاف طفل من مواليد عام 2001، اكتشف نيل هافون، الأستاذ بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس وزملاؤه، أن التوقعات التي يحملها الآباء لأطفالهم لها تأثير كبير على التحصيل العلمي والأكاديمي.
وقال هافون "يبدو أن الآباء والأمهات الذين يتطلعون إلى التعليم الجامعي في مستقبل أطفالهم فإنهم يوجهون الأبناء نحو هذا الهدف بغض النظر عن مستويات دخولهم أو ممتلكاتهم".
وتتوافق هذه الدراسة مع نظرية نفسية تدعى بتأثير بيغميليون، والتى ترى أن "ما يتوقعه شخص ما من شخص آخر يمكن أن يكون بمثابة نبوءة تحقق ذاتها". وفي حالة الأطفال، فإنهم يرتقون إلى مستوى توقعات آبائهم، وخاصة عند الاستثمار في قدرات الأطفال والتركيز على تنميتها لا على إبراز الفشل.
خامسا: الرعاية والعلاقة الأسرية الصحية
يميل الأطفال في الأسر التي تشهد نزاعًا كبيرًا إلى أن يكونوا أسوأ حالًا من أطفال الأسر التي قلما ما تشهد نزاعات، وذلك بحسب دراسة أشرفت عليها جامعة إلينوي.
وتشير الدراسة إلى أن العوائل التي تطور علاقات أسرية الصحية بين أولياء الأمور من جهة وأطفالهم من جهة أخرى تؤثر على مدى نجاح الطفل في علاقاته الصحية وتحقيق الإنجازات الأكاديمية في المستقبل.
ووفقا لدراسة أجريت عام 2014 على 243 طفلاً أ فقد توصلت النتائج إلى أن أولئك الذين حصلوا على "رعاية" في السنوات الثلاث الأولى من حياتهم حققوا نتائج أفضل في الاختبارات الأكاديمية في مرحلة الطفولة من أولئك الذين لم يتلقوا نفس نمط الرعاية من الأب والأم.
ويقول معد الدراسة أستاذ علم النفس في جامعة مينيسوتا لي رابي "هذا يشير إلى أن الاستثمار في العلاقات بين الوالدين والطفل في وقت مبكر قد يؤدي إلى عوائد إيجابية طويلة الأجل التي تتراكم في حياة الأفراد."
وبالنسبة للأسر التي شهدت حالات الطلاق، فقد أكدت دراسة أن الشباب في عشرينيات عمرهم ممن شهدوا طلاق والديهم عندما كانوا أطفالًا ما زالوا يعانون من الألم والاضطراب بسبب نزاع الطلاق بعد عشر سنوات.
كما تطرقت عدة دراسات إلى عناصر أخرى من بينها مستوى تعليم أولياء الأمور وبخاصة الأم بالإضافة إلى الوضعين الاجتماعي والاقتصادي للأسرة.