قبل أكثر من 100 عام، بدأت مُقدمات تأسيس الاتحاد المصري لكرة القدم، وتحديدًا عندما دُعيت مصر لدورة الألعاب الأولمبية الصيفية 1920 في أنتويرب ببلجيكا، وهو الحدث الذي شهد المباراة الرسمية الأولى لكرة القدم المصرية، وكذلك ولِد من رحمه الإرادة والرغبة في تأسيس الاتحاد.
وجاء تأسيس الاتحاد في خضم ظرف تاريخي استثنائي؛ حيث كانت أحداث ثورة 1919 في ذروتها، وهو ما عزز الروح الوطنية، وأجج الرغبة في الاستقلال عن الإنجليز في كل شيء، حتى الرياضة، ففي هذه الأثناء كان الاحتلال مهيمنًا على شتى مناحي الحياة في مصر.
اللجنة الأولمبية
كانت دعوة مصر الرسمية لأولمبياد أنتيويرب، المحرك الأول نحو إنشاء الاتحاد المصري لكرة القدم؛ إذ بدأ الفصل الأول من القصة بدعوة مستر سمبسون؛ ناظر مدرسة المعلمين، ومراقب الرياضة البدنية بوزارة المعارف، الأندية إلى تشكيل لجنة كرة القدم الأولمبية.
استجابت الأندية لدعوة سمبسون، وفي الاجتماع الأول يوم 17 مارس 1920، تشكلت لجنة كرة القدم الأولمبية، وتم اختيار جعفر باشا والي، وكيل النادي الأهلي، رئيسا للجنة، كما عُين محمد أفندي صبحي سكرتيرًا لها، وضمّت في عضويتها ممثلي أندية الزمالك والسكة الحديد والاتحاد والقاهرة والعباسية.
وبحسب ما يقول المؤرخ الرياضي، ياسر أيوب، في مجلة ذاكرة مصر المعاصرة، فإن أول منتخب مصري لكرة القدم أُختير من قبل هذه اللجنة، رغم محاولات الإنجليز المضنية للتدخل، كما تعهد حينها جعفر باشا والي بتحمل نفقات سفر البعثة المصرية إلى أنتويرب، والتي تولى رئاستها أحمد بك حسنين.
المباراة الأولى
ووفقا لأيوب، أُقيمت مباراة مصر الرسمية الأولى لكرة القدم، في أولمبياد أنتويرب 1920، عندما واجه المنتخب المصري نظيره الإيطالي، الساعة العاشرة صباحًا يوم 28 أغسطس، بحضور نحو 2000 متفرج، وأدار المباراة الحكم البلجيكي بول بوتز.
في الدقيقة 25 من الشوط الأول، سجل أدولفو بالونشيري هدف التقدم للمنتخب الإيطالي، ثم عادل النتيجة المصري حسن علوبه بعد 5 دقائق فقط، ليصبح علوبه صاحب الهدف الرسمي الأول لمصر في تاريخها، وكذلك أضحى الهدف الأول مصريًا وعربيًا وإفريقيًا في التاريخ الكروي الأولمبي.
لكن المنتخب الإيطالي لم يمهل نظيره المصري الفرصة لدخول التاريخ من أوسع أبوابه، باقتناص الفوز في مباراته الدولية الأولى؛ إذ سجل الإيطالي جوجليلمو بريزي الهدف الثاني بمرمى مصر في الدقيقة 57 من الشوط الثاني، ليتأهل المنتخب الإيطالي لدور الثمانية، وتخرج مصر من الأولمبياد.
تأسيس الاتحاد
كانت أولمبياد أنتويرب مقدمة قوية لتأسيس الاتحاد المصري لكرة القدم؛ حيث كانت المشاركة بالاعتماد على موارد المصريين ودون استئذان الاتحاد الرياضي المختلط، بمثابة الدليل الدامغ على قدرة المصريين على الاستقلال، فبدأ الحلم يلامس الواقع، ثم تحول إلى حقيقة.
ويقول المؤرخ الرياضي ياسر أيوب، إن البداية الفعلية لتأسيس الاتحاد، عندما استجاب 23 ناديا لدعوة النادي الأهلي للاجتماع يوم 13 أكتوبر عام 1921، وقررت هذه الأندية خوض غمار إجراءات تأسيس الاتحاد المصري لكرة القدم.
تكرر الاجتماع مجددًا يوم 23 ديسمبر 1921؛ وهو اليوم الذي شهد الإعلان عن تأسيس الاتحاد؛ حيث ضمَّ أول مجلس إدارة لهذا الاتحاد 15 عضوًا بالانتخاب، وعضوين بالتعيين، وفاز برئاسته جعفر باشا والي، وكيل الأهلي، وأصبح يوسف أفندي محمد - مرشح الزمالك- السكرتير العام للاتحاد.
بعد تأسيس الاتحاد رسميًا، رفض الأعضاء اقتراحًا من الأهلي بتوفير مقر للاتحاد داخل أروقة النادي، معتبرين ذلك ميزة لأحد الأندية، وهو أمر لم يرق لهم، وتنقل الاتحاد بين عدد من المقرات؛ كان أولها في مقر النادي الزراعي بميدان الأوبرا، ولم يدم المقام في هذا المقر سوى لبضعة أسابيع.
بعد ذلك، انتقل أعضاء الاتحاد بشكل مؤقت للاجتماع في النادي الأهلي، إلى أن انتقلوا إلى شقة جديدة بشارع المدابغ (شريف حاليًا)، ولم يدم المستقر به أيضًا، فانتقل الاتحاد إلى شارع الشواربي، وظل هذا الموقع مقر الاتحاد حتى عام 1953، عندما انتقل إلى مقره الحالي بالجبلاية.
في بداية تأسيسه، اقتصر نشاط الاتحاد على المستوى المحلي، فنظرًا لضعف الموارد المالية، لم يستطع استضافة فرق أجنبية، مكتفيًا بتنظيم المباريات مع الفرق الإنجليزية.