شهدت الرياضة المصرية تحركا جديدا، بعد إعلان النادي الأهلي عن إنشاء شركة كرة قدم، ليكون أول ناد حكومي مصري يسعى لتلك الخطوة، التي ربما تغير شكل اللعبة الأكثر شعبية في مصر.
البداية كانت مع إعلان مجلس إدارة القلعة الحمراء برئاسة محمود الخطيب، أولى خطوات تدشين شركة النادي لكرة القدم، التي كان قد كشف عنها في وقت سابق خلال دراسة المجلس لرؤية 2050.
وقرر مجلس إدارة الأهلي إسناد رئاسة شركة كرة القدم لرجل الأعمال الشهير ياسين منصور، وتعيين مصطفى مراد فهمي سكرتير عام الاتحاد الإفريقي سابقا، ورئيس لجنة مسابقات "فيفا" سابقا نائبا، بجانب الاستعانة بحسام غالي عضو مجلس النواب وقائد الفريق السابق في عضوية إدارة الشركة.
ليبقى السؤال الأهم، ما هي فائدة شركة كرة القدم الخاصة بالأهلي المصري؟
تجربة جديدة
يقول الخبير الاقتصادي، أحمد معطي، إن تجربة شركة الأهلي لكرة القدم ستحرك سوق الاستثمار الرياضي بمصر، "هو أول ناد حكومي يسعى لتأسيس شركة كرة القدم، كما يحدث في الخارج، لذا في حالة نجاح التجربة، في الأغلب ستتحرك أندية أخرى، وأكبر دليل على تأثير المتوقع لتلك التجربة هو إعلان نادي الزمالك خلال الساعات القليلة الماضية عن إنشاء شركة لكرة القدم، والعكس صحيح في حالة الفشل".
ويضيف معطي لموقع "سكاي نيوز عربية": "التجربة جديدة على كرة القدم المصرية، لكنها متواجدة عالميا، لذا هناك عديد من النماذج يمكن لمسؤولي الأهلي النظر إليها للاستفادة منها وتطبيق المناسب منها خلال تلك التجربة".
ويتابع: "لتبسيط الفكرة أكثر للجمهور، لا يكفي رأس مال الأندية المصرية لعمل مشروعات مختلفة، وأكبر دليل على ذلك أن فرق الدوري المصري الممتاز بالكامل محملة بالديون، لذا في حالة رغبة أحد الأندية لإنشاء مشروع –إستاد مثلا-، فسيقوم بأخذ قرض من أحد البنوك، مما يزيد الديون، لكن في حالة وجود شركة، فسيكون هناك فرصة للمستثمرين لضخ الأموال في تلك المشروعات، وآنذاك لن يكون هناك ديون على الفريق، وفي نفس الوقت، سيسعى النادي والمستثمر معا لتحقيق ربح من المشروع، وسيملك الطرفان فرصة لإنشاء مشروع جديد".
هيمنة المستثمرين
تنص لائحة النادي الأهلي المعتمدة من قُبل اللجنة الأولمبية المصرية على التالي: "يجوز للنادي بموافقة الجمعية العمومية والجهة الإدارية المختصة تأسيس شركات مساهمة يساهم فيها النادي، وأعضاؤه والمستثمرون من غير الأعضاء في إحدى الرياضات، وكذلك في المجالات والخدمات الرياضية بأنواعها المختلفة، وما يرتبط بهما من خدمات أخرى بهدف الاستثمار المالي، وتطرح أسهمها لأعضاء النادي، وفي حالة عدم تغطية كامل الأسهم من جانب الأعضاء يتم طرحها لغير الأعضاء، ويجوز قيد هذه الشركات بالبورصة المصرية شريطة ألا يؤثر ذلك على نشاط النادي".
كما توضح اللائحة أنه يجب ألا تقل نسبة مساهمة النادي في الشركة عن نسبة 51% من رأس المال، وفي جميع الأحوال لا يجوز التعديل أو التصرف في هذه النسبة إلا بعد موافقة الجمعية العمومية للنادي الأهلي والجهة الإدارية المركزية.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى تلك اللائحة، مؤكدا أنها تمنع هيمنة وسيطرة المستثمرين في الشركة على فرقة كرة القدم بالنادي الأهلي، لأن النسبة الأكبر ستكون ملك الجمعية العمومية الخاصة بالقلعة الحمراء.
كما يوضح معطي: "ستظل الجمعية العمومية بالنادي هي صاحبة القرار، لكن على الجانب الآخر، سيتم وضع آراء المساهمين في الشركة الجديدة بعين الاعتبار، وفي النهاية سيكون هدف الجميع هو تحقيق الربح من مشروعات النادي، ومن فرقة كرة القدم".
ويستطرد: "ستكون الأولوية في المساهمة بالشركة الجديدة لأعضاء النادي، لذا فأنها فرصة لتعزيز علاقة الأعضاء بالنادي الأحمر، لأنها ستتخطى الاستفادة من خدمات النادي، وستصل إلى الاستثمار بالنادي، وهذا يصب في مصلحة الأعضاء والنادي معا".
قانون الرياضة الجديد
يشير قانون الرياضة الجديد، في بابه المتعلق بالاستثمار الرياضي، إلى وجود فرصة للأندية لإنشاء شركات مساهمة وحدد الكيفية في إنشائها ومن يملك الأسهم فيها، كما يؤكد القانون على نقطة مهمة وهي أن هذه الشركات لا تسري عليها الإعفاءات والامتيازات التي تحصل عليها المؤسسات الرياضية الأخرى.
ويوضح معطي أن شركة الأهلي لكرة القدم، ستسهم في زيادة الضرائب على النادي، وهذا يصب في مصلحة الدولة، "لذا فأنه في حالة انطلاق الشركة، وإدارتها بشكل صحيح، ستعم الفائدة على النادي الأهلي وأعضائه وعلى الدولة، نظرا لزيادة قيمة الضرائب، وزيادة عدد المشروعات المقرر إنشائها من قُبل القلعة الحمراء".
بداية المشروع
في أغسطس من عام 2018، طرح مجلس إدارة الأهلي برئاسة محمود طاهر مشروع لائحة النادي من أجل مناقشته مع أعضاء الجمعية العمومية قبل التصويت على اعتماد اللائحة الجديدة تمهد لإنشاء "شركة كرة قدم"، وإلغاء العمل باللائحة الاسترشادية.
وكان مشروع لائحة النظام الأساسي للنادي الأهلي التي تم إعدادها تحت إشراف مجلس محمود طاهر، أحد أسباب سقوط قائمة طاهر في انتخابات الأهلي الأخيرة، بسبب الجدل الذي اُثير حول بيع فريق كرة القدم لأي مستثمر دون وجود أي رقابة من النادي وجمعيته العمومية، نظرا للمادة رقم 10 باللائحة المقترحة، التي لم تحدد نسبة الأسهم المتاحة للمستثمرين في الشركات التابعة للنادي الأهلي.
ليعود مجلس إدارة الأهلي الحالي بطرح فكرة مشروع "شركة كرة القدم" من جديد، مع إصدار لائحة تؤكد الحفاظ على نسبة 51 في المائة من أسهمها لصالح الجمعية العمومية للنادي الأهلي، للابتعاد عن شبح هيمنة المستثمرين على فريق كرة القدم بالقلعة الحمراء.
انتقالات الفريق
وفقا لما أعلنه النادي الأهلي عبر وسائل الإعلام المحلية، فأن شركة الأهلي لكرة القدم هي شركة "مساهمة" مصرية ستهدف إدارة وتنظيم رياضة كرة القدم الاحترافية وأعمال الأكاديميات، والمشاركة في مختلف الفعاليات والمنافسات، سواء كانت محلية أو قارية أو عالمية.
وتسويق ما يرتبط بها من: حقوق البث، حقوق الرعاية، السلع والمنتجات المرخصة، منتجات برامج التسويق التعاوني، الإعلانات والتصديق على المنتجات، انتقالات وإعارات اللاعبين، مبيعات الإعلام الجديد، البرامج الإعلامية المدفوعة للاعبين والأجهزة الفنية، الأكاديميات والمعسكرات والمباريات، وغيرها من الخدمات الأخرى.
ومن بين الأدوار التي ستقوم بها الشركة، هي المساهمة في سوق الانتقالات الخاص بالفريق، سواء اللاعبين المقرر ضمهم أو خروجهم من النادي الأهلي، لذا سيكون الجمهور المصري، وبالأخص جمهور القلعة الحمراء أمام فصل جديد تماما، يشمل معايير مختلفة لاختيار اللاعبين الذين سيمثلون النادي.
يقول الناقد الرياضي، محمد علاء إنه وفقا لتجارب العالمية المختلفة، فأنه ستكون هناك معايير جديدة لضم اللاعبين لنادي الأهلي، في حالة إنطلاق الشركة الجديدة، لكن السؤال الأهم هنا، هل سترضى الجماهير بتلك المعايير؟
تجربة محمود طاهر
في عام 2017، وقبل خوض انتخابات رئاسة النادي الأهلي أمام محمود الخطيب، أوضح محمود طاهر، رئيس نادي الأهلي السابق، أن فترة رئاسته للقلعة الحمراء، شهدت إنجاز غير مسبوق يتعلق بفريق كرة القدم من الناحية الاقتصادية.
وأضاف طاهر، في تصريحاته الإعلامية، أن عهده شهد ولأول مرة في التاريخ، فائض أرباح 31 مليون جنيها مصريا من فريق كرة القدم فقط، مشيرا إلى أن النادي الأحمر عبر تاريخه يخسر ماديا بسبب كرة القدم.
كما أوضح طاهر أن السبب في ذلك هو بيع وإعارة بعض من نجوم الفريق بمبالغ قياسية وعلى رأسهم: ماليك إيفونا، أحمد حجازي، ورمضان صبحي.
حيث قام النادي الأهلي ببيع إيفونا مقابل 160 مليون جنيها مصريا، بعدما قام بشرائه مقابل 40 مليون جنيها مصريا، وتم بيع رمضان صبحي إلى ستوك سيتي الإنجليزي مقابل ما يقارب 6 مليون يورو، بالإضافة إلى إعارة حجازي بمبلغ مليون يورو، مع إمكانية الشراء مقابل 4 مليون يورو، وتم تفعيل هذا البند بالفعل بعد ذلك.
ورغم نجاح الأهلي اقتصاديا فيما يخص فريق كرة القدم، هاجم قطاع كبير من جمهور القلعة الحمراء محمود طاهر، مؤكدين عدم رضاهم على بيع نجوم الفريق، وأن تلك المكاسب المادية لن تعوض المشجعين عن خسارة الفريق لبطولة أو حتى مباراة "ديربي" أمام الزمالك، وكانت تلك القرارات الخاصة ببيع اللاعبين، أحد أهم أسباب خسارة طاهر انتخابات رئاسة الأهلي.
معايير جديدة
ويشير الناقد الرياضي محمد علاء إلى تجربة محمود طاهر مع الفريق الأحمر، مؤكدا حجم الصعوبات التي سيواجهها مسؤولو الشركة الجديدة الخاصة بكرة القدم في النادي الأهلي، في حالة محاولاتهم تحقيق مكاسب مادية من انتقالات الفريق سواء بانضمام لاعبين إلى النادي أو خروجهم.
كما يضيف علاء لموقع "سكاي نيوز عربية": "سيكون هناك معايير أخرى غير فنية لاختيار اللاعبين المقرر التفاوض معهم من قُبل النادي الأهلي، تشمل القيمة الاستثمارية للاعب، والأرباح المتوقع تحقيقها من خلاله، عن طريق الإعلانات، والقمصان المباعة، واللقاءات الإعلامية، وغيرها من السبل التي تستفيد منها الأندية من اللاعبين ماديا".
ويتابع علاء: "هناك كثير من الأمثلة العالمية، التي تثبت ميل إدارات الأندية إلى شراء لاعبين يمكنهم ضخ مزيد من الأموال داخل خزينة النادي، لكن المثال الأوضح هو تفضيل ريال مدريد لشراء ديفيد بيكهام على حساب رونالدينيو، لينتقل البرازيلي إلى منافس الملكي المباشر محليا وقاريا برشلونة، وبقية القصة نعرفها جميعا، بنظرة اقتصادية، فأن الخيار الأفضل هو بيكهام، لكن داخل المستطيل الأخضر، لا يوجد لاعب يمكنه تعويض الساحر البرازيلي".
ويشير الناقد الرياضي إلى أن الشركة الجديدة، ستغير فلسفة التعاقدات داخل النادي الأهلي، "وستزيد من حرص الإدارة على تعاقد مع لاعبين أصحاب قيمة فنية أو استثمارية، أو الاثنين معا، فلن يمكنك مشاهدة لاعب مثل أليو بادجي، يأتي إلى النادي الأهلي ولا يكمل معه موسم واحد، ويحصل على ما يقارب 3 مليون يورو، ويرحل عن الفريق".
ويوضح محمد علاء أن أفضل مثال حاليا لتعريف الجمهور بالسياسة التي من المقرر اتباعها في حالة إطلاق الشركة الجديدة، وفقا لما نشاهده في التجارب العالمية، هو متوسط ميدان النادي الأحمر، "أليو ديانج".
حيث أشارت عديد من التقارير الإعلامية إلى تلقيه عرض أوروبي، يتراوح قيمته بين 8 إلى 10 مليون يورو، ومع ذلك ما زال الأهلي محتفظ به حتى الآن، مع وجود ضغط جماهيري كبير لرفض العرض، "لكن بنظرة اقتصادية، ومع وجود شركة كرة قدم، سيغادر ديانج الفريق في الأغلب، لذا الأمر يتعلق بدعم جمهور النادي الأهلي للتجربة الجديدة، خاصة أنه سيكون أول نادي حكومي يخوضها، لكن هل حقا يهتم المشجع باستثمارات الفريق وأرباحه؟ أم أنه يبحث فقط عن البطولات والانتصارات حتى لو زادت ديون النادي؟ أعتقد أن تجربة محمود طاهر تكفي للإجابة".
ويختم الناقد الرياضي محمد علاء: "لإنشاء شركة الأهلي لكرة القدم، يجب أن تكون هناك عديد من مصادر الدخل لتلك الشركة، لأن المنافسة على البطولات لا تكفي لتحقيق الأرباح، من المهم أن يكون مشروعات تساهم في ضخ الأموال داخل خزينة النادي بشكل دائم، مع الاهتمام بحقوق البث وبيع القمصان وغيرها من الطرق التي تساعد أي نادي على كسب المال، والهرب من الديون".