في إحدى ليالي شتاء سبتمبر الماضي، فوجئ جمهور الأهلي بانتقال "ابن النادي" رمضان صبحي إلى صفوف بيراميدز، المنافس المستجد للفريق الأحمر بالدوري المصري، ليخلع النجم الشاب رداء "مشجع المدرج" كما وصف نفسه، ويصبح "لاعبا محترفا".
ولم يكن صبحي اللاعب الأول الذي يفضل الانتقال للنادي السماوي على البقاء بصفوف الأهلي، فقد سبقه عبد الله السعيد وأحمد فتحي وحارس المرمى شريف إكرامي، ليكون الجمهور على موعد مع فصل جديد تعيشه الرياضة المصرية، وبالأخص صناعة كرة قدم، بعد مزاحمة أندية استثمارية لمثيلتها الشعبية في المنافسة على البطولات المحلية والدولية.
ويبقى السؤال الأهم حاليا: كيف ستغير الأندية الاستثمارية شكل الرياضة المصرية في الفترة المقبلة؟
المقاولون العرب مهّد الطريق
يقول المؤرخ الرياضي عادل سعد، إن بداية مصطلح "النادي الاستثماري" في مصر كانت في عشرينيات القرن الماضي، مع ظهور نادي الترسانة التابع للشركة المصرية لورش الري آنذاك، ثم توالى ظهور هذه الأندية، مثل القناة وغزل المحلة، حتى أتت تجربة مختلفة هي تجربة المقاولين العرب التي شبهها سعد بتجربة بيراميدز حاليا.
وأضاف سعد لموقع "سكاي نيوز عربية": "في السابق كانت أندية الشركات تبحث فقط عن الظهور المشرف في الدوري الممتاز، لكن تجربة المقاولين العرب تميزت بالطموح المختلف، حيث نجح على المستوى القاري في حصد بطولة إفريقيا للأندية أبطال الكأس 3 مرات، من بينهم اثنتان على التوالي".
وتابع: "المقاولون العرب تمكن من التعاقد مع لاعبين مميزين، مثل كريم عبد الرازق الفائز بجائزة أفضل لاعب في إفريقيا عام 1978، والحارس الكاميروني أنطوان بيل، والنجم النيجيري الشهير جون أوتاكا، لتشكل تجربة ذئاب الجبل (لقب الفريق) فصلا جديدا في شكل الأندية الاستثمارية بتلك الفترة".
وأوضح المؤرخ الرياضي أن تجربة بيراميدز حاليا جذبت انتباه الجمهور "لأنها تجربة تبحث عن البطولات بشكل مباشر، وليس فقط الظهور المشرف، كما أن وجود قوة شرائية تنافس قطبي الكرة المصرية الأهلي والزمالك على شراء اللاعبين، يعد مشهدا جديدا على الجمهور المصري".
وختم: "وجود أندية مثل بيراميدز وسيراميكا كيلوباترا في منافسات الدوري المصري يبشر بزيادة التجارب الشبيهة، وهذا سيكون في صالح المشاهد، فتعدد الفرق المنافسة سيجعل الدوري أكثر متعة، وهذا هو الهدف الأهم من وراء كرة القدم في العموم".
توجه حكومي
وفتحت التعديلات الأخيرة على قانون الرياضة المصري خلال عام 2020، الأبواب لزيادة فرص الاستثمار الرياضي، لما يقدمه من تسهيلات لرجال الأعمال المصريين والأجانب للاستثمار بمجال الرياضة في مصر.
وفي هذا السياق، اجتمع وزير الشباب والرياضة المصري أشرف صبحي، في نوفمبر من العام الماضي، مع مجموعة من رجال الأعمال وممثلي عدد من مؤسسات القطاع الخاص، لعرض الفرص الاستثمارية المتاحة في قطاع الرياضة.
كما أكد صبحي في تصريحات صحفية آنذاك، أن هناك توجها من الدولة لزيادة فرص الاستثمار الرياضي تيمنا بالتجارب العالمية، التي تعتمد بشكل كبير على الأنشطة الرياضية لإنعاش الاقتصاد المحلي، موضحا أنه "منذ فتحت الوزارة المجال أمام القطاع الخاص من أجل الاستثمار الرياضي، تقدمت الكثير من الشركات لهذا الأمر، وهو ما حقق أرباحا فاقت الـ700 مليون جنيه مصري".
وفي بادرة أمل، كشف تقرير المركز المصري للدراسات الاقتصادية، أن الاستثمار الرياضي في مصر يمثل 2.7 بالمئة من إجمالي الاستثمارات في القطاعات المختلفة، و8 بالمئة من الاستثمار في القطاع السياحي والمرتبطة عوائده بقطاع الرياضة، كما يشكل 25 بالمئة من حجم الاستثمار الرياضي في العالم العربي.
وأكد التقرير على تأثير قانون الرياضة المصري الصادر في عام 2017، وتعديلاته المقررة في 2020، على الوصول إلى تلك النتائج.
الجمهور كلمة السر
ويقول الناقد الرياضي محمد علاء إن تقبل الجمهور المصري للأندية الاستثمارية في الدوري الممتاز سيستغرق بعض الوقت، خاصة أن الجمهور لا ينظر إلى الأمور بشكل موسع كما تنظر الدولة، هو فقط يبحث عن فوز فريقه بالألقاب، لذا لا تريد الجماهير أندية استثمارية تنافس الفرق التي تشجعها.
وأضاف لموقع "سكاي نيوز عربية": "الفرق الكبير بين التجربة المصرية والتجارب الأخرى سببه توجه المستثمرين في الخارج لشراء أندية ذات شعبية نسبية، مثل نادي مانشستر سيتي الإنجليزي الذي يمتلك جمهورا كبيرا داخل مدينة مانشستر، وأيضا لايبزيج الألماني، وهو نادي مدينة يشبه نادي المصري البورسعيدي في مصر".
وأوضح الناقد المصري أن "شراء ناد يمتلك قاعدة جماهيرية يسهل نجاح التجربة بنسبة كبيرة، لوجود داعم نفسي قوي لقوام الفريق الذي في الأغلب يتكون من عناصر جديدة".
وتابع علاء: "تجربة بيراميدز مختلفة بسبب غياب الجمهور، فاللاعبون دوما يحتاجون إلى دافع لاستمرار أدائهم المميز، كما أن جماهير القطبين تسخر بشكل دائم عبر مواقع التواصل الاجتماعي من لاعبي الفريق السماوي فور تحقيق أي نتيجة سلبية".
ويؤكد الناقد المصري أن "تجربة بيراميدز حتى الآن ظهرت بشكل جيد على المستوى المحلي والإفريقي وهذا مهم للرياضة المصرية، لأنها تعد تجربة رائدة في الوقت الحالي، ومثال لأي ناد آخر يريد السير على نفس النهج، لكن التحدي الدائم لأي ناد استثماري مصري هو الصمود حتى يكون لديه جمهور يدعمه في أوقات الخسارة قبل الفوز، كما يحدث مع الأندية الجماهيرية مثل الأهلي والزمالك".
وأشار إلى دور اللاعبين المصريين أنفسهم في تعزيز ما سماه "ثقافة الانتقاد الدائم للأندية الاستثمارية الجديدة"، مستشهدا بتصريحات لصبحي قبل وبعد انتقاله إلى بيراميدز، حيث كان يقلل من التجربة في البداية، ثم وصفها أنها الأنسب لطموحاته المستقبلية بعد انتقاله إلى الفريق.
وختم: "ثقافة (اللاعب يمضي على بياض) و(الانتماء الدائم للفريق) تتلاشى على المستوى المحلي والعالمي، وهذا نتاج طبيعي لزيادة حجم الاستثمار في قطاع كرة القدم، ويجب على الجمهور تقبل أنه لن يكون هناك أيقونات جديدة تفضل مصلحة الفريق على مصلحتها الشخصية. في عصر المال لا يوجد مكان للعواطف".
طموحات وتحديات
ومن جهة أخرى، يتوقع مدرب طنطا ولاعب الأهلي والزمالك السابق رضا عبد العال، أن "مهمة الفرق الاستثمارية في مصر ستكون صعبة حاليا بسبب ميل مسؤولي المنظومة الرياضية في مصر لتمييز الفرق الجماهيرية عن مثيلتها الاستثمارية".
وأضاف عبد العال لموقع "سكاي نيوز عربية": "فريق مثل بيراميدز يملك فرصا كبيرة حاليا لحصد لقب محلي، في ظل غياب الجماهير عن المدرجات، مما يجعل حظوظ كل الفرق متساوية في المباريات، لكن هذا سيحدث في ظل منظومة عادلة".
ووجه اللاعب السابق خطابه لجمهور الكرة المصرية، مطالبا إياهم بـ"التوقف عن الهجوم غير المبرر على لاعبي الأندية الاستثمارية الذين سبق لهم اللعب مع الأهلي والزمالك"، مثل علي جبر (لاعب الزمالك السابق) والسعيد وصبحي"، مؤكدا أن هذه العناصر مهمة في النهاية لمنتخب مصر.
وأشاد عبد العال بزيادة الفرق المنافسة على لقب الدوري المصري هذا العام، مطالبا اتحاد الكرة بالوقوف على مسافة واحدة من كل الأندية سواء كانت شعبية أو استثمارية "حتى نضمن موسما ممتعا لكل مشاهدي الدوري المحلي".
وختم: "فشل الأندية الاستثمارية في تحقيق بطولات سيمثل تحذيرا للمستثمرين من دخول السوق الرياضية المصرية. ونأمل نجاح أي فريق من هذا النوع في حصد بطولة على الأقل هذا الموسم، ليكون دافعا لرجال الأعمال وبالأخص الأجانب منهم للاستثمار في الدوري المصري. هذا سيعود بالنفع على الرياضة المصرية ككل".