تفاجأت جماهير كرة القدم العربية بخروج مبكر، لمنتخب مصر، من بطولة كأس أمم أفريقيا، الأمر الذي فرض سؤالا مهما، وهو هل يجب على المنتخبات العربية التوجه نحو توظيف اللاعبين المغتربين في الخارج؟
واعتمد المنتخب المصري على تشكيلة كاملة مكونة من اللاعبين الذين نشأوا محليا، قبل احتراف بعضهم بالخارج، بينما فضلت منتخبات عربية أخرى مثل المغرب، الاعتماد على تشكيلة كاملة من المغتربين.
أما الجزائر، فاستخدم مدربها المتألق جمال بلماضي، توليفة ممتزجة بين لاعبين محليين ومغتربين، لتمثيل "محاربي الصحراء"، الذين أصبحوا المرشح الأول في البطولة.
فبالرغم من تواجد النجوم المغتربين، مثل رياض محرز وسفيان فيغولي، إلا أن بلماضي قرر كذلك الاعتماد على اللاعبين الذين نشأوا في الجزائر، وأبرزهم بغداد بونجاح ويوسف بلايلي.
مثال خليط اللاعبين المحليين والمغتربين، بدأت تطبقه عدة دول عربية، ومنها المنتخب العراقي، الذي يعتمد بشكل كبير على عراقيين مغتربين في دول غربية، مثل السويد وهولندا والولايات المتحدة.
ومشروع اللاعبين المغتربين في العراق بدأه شاب عراقي اسمه يوسف الخفاجي برفقة شبان آخرون، أخذوا على عاتقهم مهمة التواصل مع المواهب العراقية بالخارج، وإيصال معلوماتهم للاتحاد العراقي، قبل أن ينشئ الخفاجي موقعا إلكترونيا باسم "موقع المحترفين".
الاختلافات
وعن الاختلافات الرئيسية بين اللاعب العربي المحلي والمغترب، قال الخفاجي: "الاختلافات الرئيسية هي في الحياة الاجتماعية والثقافية. فداخل الدول العربية، الحياة الاجتماعية لها دور كبير على حياة اللاعبين، وكذلك الطعام، الذي يعتبر جزءا أساسيا من الحياة الاجتماعية".
وأضاف: "كما أن هناك وسائل ترفيه اجتماعي بشكل أكبر، في العالم العربي، عكس الدول الغربية، التي تستند بشكل أكبر على نظام يومي عملي، تنتهي فيه الحياة الاجتماعية عند حلول المساء".
لماذا لا ينجح اللاعب العربي في الخارج؟
نجح المصري محمد صلاح، بكتابة اسمه في كتب التاريخ، بعد أن فرض نفسه نجما كبيرا بين أفضل لاعبي العالم، بعد رحلة تألق طويلة في سويسرا وإيطاليا وإنجلترا.
ولكن صلاح يعتبر نجمة مضيئة، في سماء مليئة بالتجارب "الفاشلة"، للاعبين عرب غادروا أوطانهم إلى أوروبا، ولكنهم لم يستمروا طويلا.
وقال الخفاجي: "الثقافة عامل رئيسي في هذا الموضوع. العديد من المحترفين يخرجون لأوروبا وهم لم يكملوا تعليمهم، فتكون عليهم الاختلافات الثقافية صعبة التقبل، مما ينعكس على عطائهم في الخارج".
كما أشار الخفاجي للاختلافات الثقافية في "فهم كرة القدم" بين البلدان العربية والغربية، حيث قال: " في عالمنا العربي، يتأسس اللاعب على أن يكون "لامعا ومهاريا وجذابا في طريقة لعبه"، وينعكس هذا على مسيرته، لأن النجاح الكروي يكون مرتبط بالمهارات الفردية".
وأضاف: "أما في الدول الأوروبية، يربطون النجاح الكروي بالجماعية والخطط التكتيكية الصحيحة، فيحصل اللاعب على الإشادة إذا ما أتقن الجماعية، وليس الفردية".
هذا الأمر ينعكس على العرب المغتربين، الذين يتم تأسيسهم على اللعب الجماعي، والابتعاد عن الفردية، والتألق ضمن منظومة متكاملة.
وقال الخفاجي: "حتى (النجم الألماني) توني كروس لن يبرز إذا لم يلعب بمنظومة صحيحة، وهذا السبب أن بعض اللاعبين العرب المغتربين، لا يبرزون عندما يلعبون مع بلدانهم العربية، لأن المنظومة لا تعمل بشكل صحيح".
فشل المغتربين بالمنتخبات العربية
وأكد الخفاجي أن المشاكل الإدارية المتكررة للمنتخبات العربية، قد تكون عاملا منفرا للاعبين المغتربين، الذين، تعودوا على نظام متساو وسلس إداريا.
وقال يوسف: "بعض اللاعبين المغتربين، لا يتحملون المشاكل الإدارية، والمتاعب اللوجستية، مما يدفعهم للتخلي عن تمثيل المنتخبات العربية".
كما أكد الخفاجي أن المنتخبات العربية لا تتعامل بشكل صحيح مع العوامل النفسية: "كل المنتخبات الكبيرة تهتم بالجانب النفسي للاعبين، يوفرون لهم معالجين نفسيين، مما قد يفك مشاكل الحاجز النفسي. المنتخبات العربية لا تعترف بالمشاكل النفسية في كرة القدم".
انتماء المغترب لمنتخب "بلاده"
وبالرغم من الاعتقاد الشائع، أن اللاعب المحلي أكثر "وطنية" في تمثيل منتخب بلاده، إلا أن الخفاجي أكد أن هذا الأمر غير صحيح.
وقال : "رأيت لاعبين مغتربين يبكون بعد الخسارة مع منتخب العراق، بينما هناك محليين يمثلون المنتخب للحصول على عقود احترافية فقط، والعكس الصحيح".
وأضاف: "اللاعب المحلي أقرب للجماهير، لأنه يعبر بلسانه، ويفهم عقلية المشجع، ولكن ليس بالضرورة لديه حس وطني أكثر من المغترب".
وتبقى تجربة بلماضي والجزائر المثال الأبرز الآن لاستخدام المغتربين في المنتخب الوطني، وقد يكون تألق "الخضر" في كأس أفريقيا حافزا لاتباع نفس الخطوات، من قبل الاتحادات العربية.
العراق والجزائر والمغرب بدأت بتطبيق "مزيج المحليين والمغتربين" بدرجات متفاوتة، وقد يكون تطبيقه في المنتخبات العربية الأخرى، الحل الأمثل للوصول للعالمية.
ولكن اليوم، تبدو خطة استقطاب المواطنين المغتربين بالخارج للمنتخبات العربية، الطريقة الأمثل لنقل العقلية المتقدمة في كرة القدم للعالم العربي، وفي منتخبي الجزائر والمغرب خير مثال.