لم تمر تصريحات البطريرك الماروني بشارة الراعي التي أدلى بها لـ"سكاي نيوز عربية" مرور الكرام، بعدما قال إن الحرب الأهلية التي شهدها لبنان في سبعينات وثمانينات القرن الماضي "من صنع الفلسطينيين".
وكان الراعي ضيف برنامج "حديث العرب"، الجمعة، عندما أبدى استياءه من ازدياد أعداد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وصرح قائلا: "الفلسطينيين هم الذين صنعوا الحرب في لبنان عام 1975 وواجهوا الجيش اللبناني".
وأثارت كلمات البطريرك الجدل في لبنان، كما أعادت شعارات الحرب اللبنانية واتهاماتها لغير اللبنانيين بالتسبب بحرب استمرت 15 عاما، وحولت لبنان إلى ساحة ترتع فيها جيوش الغير.
الراعي تخوف من استمرار تدفق اللاجئين السوريين على لبنان، وطالب بعودة اللاجئين إلى ديارههم، فكان هذا هو المدخل لتصريحه.
إلا أن بطريرك الكنيسة المارونية أغفل التطرق إلى ما سبق نشوب الحرب: خلافات لبنانية حول تقسيم السلطة بين الطوائف، والتفاوت الطبقي والاقتصادي بين أطراف المجتمع التي لخصها مقتل القيادي معروف سعد عام 1975.
ودفع كلام الراعي عددا من الفصائل والناشطين الفلسطينيين إلى إصدار بيانات استنكار، اعتبر بعضها ان هذه التصريحات "نزلت كالصاعقة على أكثر من 400 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان، اضطروا قسرا إلى البقاء فيه بسبب الاحتلال الإسرائيلي وسياسة التهجير المبرمج لشعب فلسطين".
استنكار فلسطيني
وأعرب أمين سر نقابة الحقوقيين الفلسطينيين في لبنان سهيل الناطور، عن "أسفه" لتصريحات الراعي، و"لمحاولات استعادة ماض يحاول اللبنانيون والفلسطينيون تجاوزه عبر علاقات إيجابية وبناءة بين الطرفين".
وأكد الناطور لـ"سكاي نيوز عربية" أن "العودة عشرات السنوات إلى الوراء وفتح ملفات الحرب ومن تسبب بها لا تخدم أحدا"، مشددا على "ضرورة التضامن الإيجابي مع قضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان للإسهام في حل مشاكلهم ومعاناتهم، فهم ضيوف لدى الدولة اللبنانية وينتظرون العودة يوما ما".
واعتبر المسؤول الإعلامي في الجبهة الديمقراطية فتحي كليب، أن وجود الفلسطينيين في لبنان ليس بإرادتهم، ودعا عبر "سكاي نيوز عربية" البطريرك الراعي إلى "ممارسة الضغط على المجتمع الدولي للمساعدة في عودة الفلسطينيين اللذين هجروا من بلداتهم وقراهم بدلا من التصريحات التحريضية ضد الوجود المدني الفلسطيني في لبنان تحت عناوين ومبررات غير موضوعية أو منطقية".
واعتبر الكاتب السياسي أمين قمورية الذي عايش الحرب الأهلية اللبنانية وكتب عنها، أن تحميل الراعي للفلسطينيين مسؤولية الحرب فيه الكثير من الظلم بحقهم.
ولفت قمورية في حديث لـ"سكاي نيوز عربية" إلى أن "الفلسطيني قد يكون أحد عناصر الحرب اللبنانية، لكن عوامل عدة أدت إلى نشوب هذه الحرب، منها التصلب السلطوي الذي كان قائما في النظام اللبناني والتفاوت الطبقي والاجتماعي، وحرمان فئات واسعة ووازنة من المجتمع اللبناني من المشاركة في الحياة السياسية، يضاف لها عوامل إقليمية ودولية أخرى أدت إلى هذه الحرب، وبالتالي فان الفلسطيني كان ضحية الصراعات والحسابات الدائرة حينها، تماما كما المواطن اللبناني الذي تحول إلى وقود للنزاع الدموي الذي استمر أكثر من 15 عاما".
وأتت تصريحات الراعي بعد يومين من وقوع اشتباكات مسلحة في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين جنوبي بيروت بين مسلحين لبنانيين وفلسطينيين، أدت إلى مقتل شخص وجرح 6 آخرين، وبعد أسبوع من اشتباكات عنيفة شهدها مخيم عين الحلوة للاجئين جنوبي لبنان.
ويعيش أكثر من 430 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان وسط ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة، حولت بعض المخيمات إلى بؤر أمنية تستغلها بعض الجماعات المتشددة ومجموعة من المطلوبين والخارجين عن القانون لتعكير الأمن اللبناني.
جدل يمتد لحزب الله
الجدل الذي أثاره الراعي امتد إلى ميليشيا حزب الله، فأعلن لأول مرة أنها دخلت طرفا في الحرب السورية دون أن تكترث بحكومة لبنان التي من المفترض أن يكون حزب الله خاضعا لسيطرتها.
وقال البطريرك: "حزب الله عندما دخل الحرب في سوريا لم يدخل بقرار من الدولة اللبنانية، بل الدولة في إعلان بعبدا أعلنت النأي بالنفس، وهذا قرار اتخذه الحزب وما زال اللبنانيون حتى اليوم منقسمين حيال هذا الأمر بين من يدعمه ويقول انه لو لم يتدخل لكان داعش وصل إلى جونية، وبين من يعتبر ان تدخله هو الذي استجلب داعش".
وتطرق البطريرك إلى الوضع اللبناني الداخلي، ملمحا إلى هيمنة سلاح ميليشيا حزب الله على المشهد اللبناني.
وأضاف: "هو حزب سياسي مع أسلحة، موجود في البرلمان والحكومة والإدارة. أنا مواطن وشريكي مواطن، وأنا أعزل وهو مسلح، وهذا شيء غير طبيعي. لكن الدولة اللبنانية لم تحسم أمرها في هذا الموضوع. ولو كان حزب الله ميليشيا خارج البرلمان، لكان الأمر شيئا آخر، لكنه في الحكم".
وتعكس كلمات الراعي عن اللاجئين ودعوته لرحيلهم وانتقاده الضمني لحزب الله، الجدل المتجذر في لبنان خلال السنوات القليلة الماضية، وتحديدا منذ اندلاع الحرب في الجارة الكبرى سوريا، والدور الذي تلعبه ميليشيات حزب الله فيها.
كما أن السائد بشأن الحرب الأهلية اللبنانية أن تكافؤ الأطراف فرض استمرارها لسنوات، لكن المفارقة الآن أن المعادلة قد تتبدل في بلد يشهد هيمنة جهة واحدة على الأطراف الأخرى بسطوة السلاح.