شهد الحرم المكي الشريف على مدار التاريخ العديد من التوسعات بدأت في عهد الخلفاء الراشدين ولا تزال مستمرة حتى وقتنا الحالي، آخرها تلك التي رفعت طاقته الاستيعابية لأكثر من 2 مليون مصلٍ للفرض الواحد و100 ألف طائف بالكعبة في الساعة الواحدة.
وبدأت أولى عمليات التوسعة في عهد الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب، وتحديدا في عام 17 هـ، حيث قام الخليفة بتوسعة مساحة المسجد لتبلغ 260 مترا مربعا، بعدما اشترى بعض البيوت القريبة من الحرم، فيما تبرع آخرون بالبعض الآخر ثم هدمها، وأحاط المسجد بجدار قصير.
فيما توسعت مساحة المسجد أكثر، إلى ما يقرب من 4390 مترا مربعا، في عهد الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان الذي عكف إلى ما عكف إليه عمر في السابق حيث اشترى البيوت التي ظلت قريبة من الحرم وهدمها، وأدخل الأعمدة الرخامية إلى المسجد، وذلك عام 26 هـ.
الدولة الأموية
أما الدولة الأموية فقد شهدت توسيع الحرم على مرحلتين ، أولهما على يد الصحابي عبدالله بن الزبير عام 60 هـ إذ أعاد بناء الكعبة إثر حريق شب في ثوب الكعبة وخشبها.
بينما كانت التوسعة الثانية في عهد الأمويين والرابعة في التاريخ الإسلامي على يد الوليد بن عبدالملك عام 91 هـ، مستغلا تسبب سيل جارف في زيادة مساحة المسجد، كما زاد من الأعمدة التي جلبها من مصر وسوريا، وشيد شرفات يستظل بها المصلون.
الدولة العباسية
وقد شهدت الدولة العباسية ثلاث مراحل للتوسيع أولهما على يد أبي جعفر المنصور واستمرت ثلاث سنوات، بدأت من 137 إلى 140 هـ، وقد زيد فيها مساحة الركن الشمالي للحرم، فضلا عن تغطية فوهة بئر زمزم، وإعادة تصميم حجر إسماعيل بالرخام.
وجاء المعتضد بالله في المرحلة الثانية للتوسعة التي استغرقت ثلاث سنوات أيضا، من عام 281 إلى 284 هـ، لينشئ عددا من الأبواب داخل وخارج الحرم المكي كما زاد الأعمدة. وخلال المرحلة الثالثة أنشأ المقتدر بالله "باب إبراهيم" ليزيد من مساحة المسجد عام 306 للهجرة.
الحرم في العصر الحديث
ولاتزال المملكة العربية السعودية تولي اهتماما خاصة بمشاريع توسعة الحرم، منذ أن بدأها الملك عبدالعزيز الذي شهد عهده صيانة المسجد وإصلاحه بالكامل عام 1344 هـ، ثم ترميم الأسقف وطلاء الجدران والأعمدة عام 1334 للهجرة.
وتم تجديد مصابيح الإنارة وزيادتها إلى الألف مصباح عام 1347 هـ، وإنارة المسجد الحرام بالكهرباء وتنصيب المراوح الكهربائية عام 1373 هـ.
وفي الوقت الذي وصلت فيه مساحة المسجد إلى 28 ألف متر مربع، جاء الملك سعود بن عبدالعزيز ليستمر في أعمال التوسعة التي بدأت عام 1375 هـ، واستمرت نحو 10 سنوات، وشملت فتح شارع خلف الصفا، وإعادة تصميم أرض المسعى، وبناء طابقين للمسعى، وبناء سقيا زمزم.
وكذلك شهد عهد الملك سعود توسعة المطاف، وزيادة قبو زمزم بصنابير المياه، واستبدال الشمعدانات الست بحجر إسماعيل بخمس نحاسية تضاء بالكهرباء.
أكبر توسعة
وفي عهد الملك فهد بن عبدالعزيز، تم وضع حجر الأساس لمشروع "أكبر توسعة للمسجد الحرام منذ 14 قرنا" الذي بدأ عام 1409 هـ، وشمل إضافة مساحة جديدة إلى الناحية الغربية للمسجد، وإضافة مبنى جديد إلى الحرم لاستقبال الزيادات في الحج ومواسم العمرة.
وتضمنت أعمال التوسعة تجهيز الساحات الخارجية لاستيعاب المصلين، ووصلت مساحة المسجد حينها 356 ألف متر مربع.
توسعة الثلاث مراحل
أما في عهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، فقد جرى اعتماد توسيع الحرم المكي على ثلاثة مراحل تشمل اتساع ساحات الحرم لمليوني مصلٍّ وتوسعة صحن المطاف، والساحات الخارجية، ومنطقة الخدمات والتكييف ومحطات الكهرباء والمياه.
وقد دشن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، أخيرا، التوسعة الثالثة للمسجد الحرام التي تقدر تكلفتها بمليارات الدولارات، وتتألف من خمسة مشروعات تشمل مبنى التوسعة والساحات والأنفاق ومبنى الخدمات، والطريق الدائري الأول.
ويتضمن المشروع إنشاء 78 باباً أوتوماتيكيا يتم إغلاقها بالتحكم عن بعد وتحيط بالحرم في الدور الأرضي فقط.