اقتصاد ليبيا، الدولة التي تحتوي على أكبر مخزون للنفط في أفريقيا، على حافة الهاوية مع دخول الإضرابات في موانئ تصدير النفط شهرها السادس، مما يضع الحكومة أمام معضلة التوفيق بين سداد رواتب العاملين وبين إصلاح البنية التحتية المتهالكة التي كان أحد المطالب الرئيسية التي حركت الاحتجاجات.
وبسبب توقف الصادرات، فقدت الحكومة عائدات نفطية تزيد قيمتها على أكثر من 10 مليارات دولار منذ شهر يوليو، بما يمثل خمس الإيرادات المستهدفة سنويا.
لكن الخبراء يرون أن الخسارة الواقعية قد تكون أقرب إلى مبلغ 18 مليار دولار، على أساس أن العجز البالغ مليون برميل يوميا كان سيجلب نحو 100 مليون دولار يوميا، مما يشير إلى أن النقص الشهري في الإيرادات قد يصل إلى نحو 3 مليارات دولار.
وتمثل عائدات تصدير النفط فعليا إجمالي الإيرادات السنوية للحكومة، التي تبلغ نحو 50 مليار دولار.
ويخصص أكثر من نصف هذه الميزانية لرواتب موظفي القطاع العام والدعم الحكومي لعدد من المنتجات، من بينها الخبز والوقود وخدمات مثل العلاج في المستشفيات.
وتحذر الحكومة من أنها قد تعجز عن دفع الأجور، كما أصبح انقطاع الكهرباء مشهدا مألوفا في وقت لا تستطيع فيه السلطات مواجهة ميليشيات تحتل الوزارات وتستولي على منشآت نفطية وقتما تشاء.
يزيد الأزمة تعقيدا أن الحكومة كانت قد تعهدت بمنح العاملين في قطاع النفط زيادة نسبتها 67 % في الرواتب، في محاولة لامتصاص غضب موظفي هذا القطاع الذي يمثل نحو 80 % من الناتج المحلي الليبي.
ويأتي استحقاق هذه الزيادة بدءا من شهر يناير الجاري في تزامن مع تفاقم الأزمة ودخولها نفقا مظلما.
وقد تلجأ حكومة رئيس الوزراء علي زيدان المحاصرة - التي تخضع في بعض الأحيان لحصار فعلي من مسلحين يحاصرون مبانيها - إلى خفض الإنفاق على البنية التحتية، لكن ذلك أيضا لا يخلو من العواقب في بلد لم يحقق تقدما يذكر نحو إصلاح الأضرار التي صاحبت انتفاضة 2011 والفترة التي تلتها.
وقال بعض المحللين إن الحكومة قد تلجأ إلى البنوك المحلية التي تتمتع بوفرة في النقود بسبب قلة نشاط الإقراض، في اقتصاد توقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش بنسبة 5.1 % في عام 2013.
إصلاح البنية التحتية وتوفير الخدمات، خاصة الصحية، للمواطنين كان من أهم الأسباب التي أثارت سخط العمال وقادت إلى الاحتجاجات المستمرة التي تسبب حالة من الشلل في البلاد.
ويمثل الدعم قضية ذات حساسية سياسية، حيث إن رفعه أو تقليصه قد يؤدي إلى اضطرابات عارمة في هذا البلد، الذي لم تستقر فيه الأوضاع منذ اندلاع الاحتجاجات في 2011 ومقتل معمر القذافي في أكتوبر من نفس العام، بعد أن حكم البلاد لأكثر من 4 عقود.
ومثل تعليق عمال حقل الشرارة النفطي إضرابهم لفترة محدودة، بارقة أمل، حيث سيتيح إنتاج 300 ألف برميل يوميا، وهي الطاقة الإنتاجية للحقل قبل توقفه.
فلقد علق المحتجون إضرابهم لمدة أسبوعين، بدءا من أول يناير، إثر اتفاق مع وزير الدفاع الليبي.
لكن العمال هددوا بالعودة إلى الإضراب وإلى وقف الانتاج إذا لم تلبّ الحكومة طلباتهم، بإدخال العديد من الخدمات وأهمها إصلاح البنية التحتية للمدينة. وكانت موافقة الحكومة قيد وقف الإضراب.
وأدى التشاحن السياسي بين حكومة زيدان والمعارضة الإسلامية في المؤتمر الوطني العام، إلى تأخير بعض مشروعات البنية التحتية، لكن تلك المبالغ التي لم تنفق ساعدت الحكومة في كسب قليل من الوقت.