هل فكر أحد لماذا يستهدف عنف الجماعات الإسلامية ـوهي في أغلبها منبثقة من عباءة الإخوان المسلمين ـ الجيوش الوطنية للدول التي ينشط فيها هؤلاء الإرهابيون؟
وهل انتبه أحد للخدعة الكبرى التي يروجها الإخوان بأنهم مع "الدولة المدنية الديمقراطية" وهم لا يمكن أن يقبلوا بجيش وطني نظامي؟، وقد يكون انكشاف الجيش المصري على تلك الخدعة واحدا من عوامل ازاحتهم من السلطة في أكبر بلد عربي.
يعود الصراع بين "الدين" و"العسكر"، أي دين وأي قوة عسكرية نظامية لجماعة، إلى قرون طويلة منذ أيام الفراعنة في وادي النيل حين كان الفرعون يحكم وعلى يمينه قائد الجند وعلى يساره كبير الكهنة.
وفي أوروبا القرون الوسطى، لعب الدين دورا أساسيا في التعبئة العسكرية إلى أن انتهى دور الكنيسة في السياسة.
وفي بداية توسع الدولة الإسلامية من شبه الجزيرة العربية إلى أوروبا وآسيا كان الدين عاملا أساسيا في تكوين جيوش الغزوات والحملات.
وفي بدايات تنظيم الإخوان في مصر، قبل أكثر من ثمانية عقود، كانت عينهم على الجيش وحاولوا تجنيد ضباطه ودعوة جنوده.
لكن طبيعة الجيوش الحديثة، وتطور الدولة وبيروقراطيتها، ما كان ليسمح بالعودة إلى القرون الوسطى وما سبقها.
وكان الشقاق بعد ثورة 1952 في مصر حين أبعد قادة الجيش الإخوان إثر محاولاتهم الهيمنة على الثورة والسلطة.
كان أحدث صراع بين الإسلام السياسي والجيش هو ما جرى في الجزائر على مدى عقد من الزمان بعد منع الجيش الإسلاميين من الوصول إلى السلطة مطلع التسعينيات من القرن الماضي.
واستمر من ذلك الحين في أماكن ودول متفرقة (وإن ربطت الجماعات بين الجيش والأمن في بعضها) حتى عاد بقوة في الأعوام الأخيرة مع التغييرات في بعض الدول في المنطقة.
ففي ليبيا قتلت تلك الجماعات حوالى مئة من ضباط الجيش في العام الأخير لتعطل بناء جيش وطني في إطار بناء دولة في ليبيا لا يسيطر الإخوان وجماعاتهم عليها.
وفي شبه جزيرة سيناء، وغيرها، يستهدف المسلحون المرتبطون بالإخوان الجيش المصري.
وفي تونس تستهدف تلك الجماعات المسلحة الجيش كما حدث في هجمات إرهابية عليه أخيرا.
حتى في سوريا، تقاتل أغلب جماعات الأجانب المتسربلة براية الإسلام الجيش النظامي السوري ليس لتحقيق أهداف المعارضة بتغيير النظام وبناء سوريا جديدة وإنما بغرض أساسي هو تدمير ذلك الجيش.
وقد يبدو الصراع مختلفا في تركيا مثلا ـ لأنه لم يأخذ شكلا دمويا ـ ولكنه في الأساس لا ينفصل عن موقف الإخوان من الجيوش.
لا يقبل الإخوان، بطبيعة تكوينهم كجماعة وشكل السلطة في المجتمعات التي يطمحون للسيطرة عليها، بأن تكون هناك تراتبية طاعة لغير الأمير أو "المرشد". كما أن العقيدة الوطنية تتناقض جدليا مع "الغيبوية" التي يروجها الإخوان لتسهيل سيطرتهم الشمولية وتحقيق مكاسبهم الانتهازية.
ولعل ما جرى في مصر، ويجري في غيرها مثل تونس والسودان وغيرهما الآن، يكشف للناس الكثير عن موقف الإخوان من الجيوش الوطنية ومن الدولة الحديثة العصرية بشكل عام.