انسحبت الأزمة السياسية والاقتصادية على تقليد مائدة الرحمن التي يقيمها المصريون في شهر رمضان من كل عام لتقديم وجبة إفطار للفقراء فتقلصت أعدادها وتحولت رسالة بعض منها من البر إلى السياسة، بينما ظلت موائد الفنانين محتفظة بمكانتها كموائد "خمس نجوم".
وتقيم القوى السياسية الثورية موائد الرحمن في ميدان التحرير بوسط القاهرة وبجوار قصر الاتحادية الرئاسي بضاحية مصر الجديدة شمال العاصمة وتقوم بعض المطاعم الشهيرة، سواء الشعبية منها او المتوسطة، بتوزيع وجبات مجانية كاملة على المعتصمين في الميدان أو من يفدون إليه لإظهار تأييدهم لثورة 30 يونيو التي أسقطت حكم الرئيس المعزول محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين.
كما نظم العشرات من النشطاء إفطارا جماعيا في شارع محمد محمود، المتفرع من ميدان التحرير، على أرواح الشهيدين مينا دانيال والحسيني أبو ضيف بمشاركة أسرهم، وحمل النشطاء أعلام تحمل صور الشهداء، مرددين هتافات تنادي بحق الشهداء.
ويقوم رجال أعمال وأصحاب المطاعم بتمويل الوجبات المجانية التي يستفيد منها أيضا الباعة الجائلين والمتسولين وأطفال الشوارع المتواجدين حول هذه المناطق.
وقال فتحي منير، الذي يعد الشاي والقهوة في ركن من الميدان "نحن متواجدون في الميدان منذ ثورة يناير 2011، نعيش فرحة الثوار ونتعرض للضرب عند الهجوم عليهم، سواء من الأمن في الفترة الماضية أو من أنصار الإخوان حاليا، ومن الطبيعي أن نتشارك أيضا افطارنا معهم".
بدوره محمود قناوي، أحد القائمين على تجهيز الموائد يقول "لا أعتبر أن هذه رشوة لتحفيز الناس على التواجد لمضاعفة الأعداد، فالكثيرين من القادرين يحضرون ومعهم إفطارهم وإذا كان ذلك صحيح فهو ينطبق على أنصار الإخوان أيضا".
نفس المشهد يتكرر عند ميداني النهضة بالجيزة، جنوب غربي القاهرة، ورابعة العدوية بمدينة نصر، شمال غرب، حيث يعتصم الآلاف من أنصار الإخوان المسلمين منذ 28 يونيو مطالبين بعودة مرسي إلى الحكم.
واختفى عدد كبير من موائد الرحمن الشهيرة في القاهرة والتي كان يقيمها رجال أعمال وسياسيين، مثل التي كان يقيمها رئيس مجلس الشعب الأسبق فتحي سرور في حي السيدة زينب والتي كانت تستقبل نحو 5 ألاف شخص يوميا.
ولقد تم إيداع سرور في السجن بعد ثورة 25 يناير 2011 مع مسؤولين أخرين من عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك بتهم الفساد وإهدار المال العام.
وأفادت دراسة لجامعة الأزهر أن موائد الرحمن بلغ عددها في القاهرة وحدها 21 ألف مائدة ينفق أصحابها عليها ما يزيد على مليار جنيه فيما ينفق أهالي المحافظات الأخرى مليار جنيه أخرى على الموائد التي يقيمونها.
وتشير الدراسة إلى أن عدد الذين يأكلون على موائد الرحمن يبلغ 3 ملايين شخص يوميا ويصل عدد الجهات والأشخاص الذين ينظمونها إلى 10 ألاف جهة أو طرف.
وأدت الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعاني منها البلاد، حيث أغلق نحو 4 ألاف مصنع أبوابه وتم تسريح العمال منهم، إلى عزوف عدد كبير من رجال الأعمال بإقامة الموائد التي اعتادوا على إقامتها منذ عشرات السنوات.
كما اختفت الموائد التي كانت تقيمها الفنادق الفخمة في أحياء القاهرة الراقية والتي كان يتزاحم عليها الفقراء ممن يرتادون هذه المناطق سعيا للرزق، مثل المتسولين والباعة الجائلين وعمال النظافة والعاملين في المنازل وكانت تقدم أنواعا فاخرة وشهية من الطعام، خاصة اللحوم، لا يقدرون على ثمنها.
محمد زارع، عامل نظافة، يفتقد هذه الموائد ويقول "كانت تنصب على شاطئ النيل، ويقوم نادل يرتدي حلة أنيقة بتقديم أشهى المأكولات والمشروبات لنا. وكانت زوجتي، التي تعمل أيضا في تنظيف الشوارع، وأطفالي الثلاث يحضرون لتناول الإفطار معي".
ويضيف "كنا نشعر أننا في نزهة وأننا نعيش حلم، فإن ثمن الوجبة الواحدة كان يوازي مرتب شهر كامل ولكن، منذ تراجع السياحة اختفت المائدة ولم يعد هناك سوى تلك التي يقيمها الجامع المجاور ولكن شتان ما بين اللحوم والطيور وبين الوجبة المتقشفة التي نحصل عليها الآن".
وبالرغم من تراجع عدد الأعمال السينمائية والفنية والحفلات الغنائية بسبب الأحداث، إلا أن الفنانين، وخاصة الفنانات، حرصن على الابقاء على هذا التقليد الذي اعتادوا عليه منذ ما يزيد عن 20 عاما.
ففي حي المهندسين، ما زالت الفنانة فيفي عبده تقدم الإفطار المجاني للمئات من المحتاجين. وتعتبر هذه المائدة، وتلك التي تقيمها الفنانة شيريهان بحي الزمالك أسفل منزلها والتي تتميز بألوان زاهية وموائد أنيقة، من أشهر الموائد بسبب جودة الوجبات التي تتكون من شوربة ولحم وخضروات وحلويات وتمر ويشرف على إعدادها طهاة من مطاعم شهيرة وأكبر فنادق العاصمة.
أما المطربة شيرين عبد الوهاب فأصبحت المائدة التي تقيمها من الموائد المفضة لدى الكثيرين، ولقد كلفت الفنانة والدها للإشراف على هذه المائدة التي تقيمها في حي البساتين، الذي ولدت ونشأت فيه تعبيرا عن امتنانها لما حققته من شهرة بعد عناء طويل قبل أن تصل إلى النجومية.