فجّر إعلان الرئيس السوداني عمر حسن البشير، عن إجراءات تقشف صارمة، قبل أسبوع؛ شرارة الاحتجاجات في مناطق عدة من العاصمة الخرطوم، ما أثار الكثير من التكهنات بتحولها إلى "ثورة" تستلهم تلك التي حدثت في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا.
وعلى ذات منوال "الثورات العربية"، تَغزلُ الاحتجاجات الحالية في السودان، بادئ ذي بدء بدعوات النزول إلى الشارع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بقيادة مجموعة من صفحات فيسبوك ومواقع إلكترونية لها شعبية في أوساط السودانيين.
وتحشد حركة "قرفنا"، حالياً إلى "اعتصام مدني" في الثلاثين من يونيو الجاري، الذي أعلنت عنه الحكومة يوم عطلة للجامعات، لكبح جماح أي احتجاجات محتملة. وهو اليوم ذاته الذي قاد فيه البشير انقلاباً على حكومة الصادق المهدي عام 1989.
و"قرفنا"، هي "حركة مقاومة شعبية سلمية لا مركزية"، كما تطلق على نفسها، تأسست في أكتوبر عام 2009، قوامها طلاب جامعيون يرغبون في تغيير واقع بلادهم. وتلخص الحركة هدفها بالقول على موقعها الإلكتروني: "باختصار، لو كنت مؤمن بالحرية والعدالة والمساواة، وقرفت من الحكومة وعمايلها، ومن المعارضة وتحايلها... لِم أصحابك وقرايبك واعملوا مجموعة واتصل بينا على البريد الإلكتروني، وحنبدأ من هناك".
وينشط في متابعة يوميات الاحتجاجات في السودان أيضا صفحة على فيسبوك عنوانها "شباب لأجل التغيير"، المعروفة اختصارا باسم "شرارة"، وانطلقت في يناير 2011، وتضم نحو 43 ألف مشارك. ويقول القائمون عليها إن مطالبهم تتركز على التداول السلمي للسلطة، والتأكيد على حق الأقاليم في الحكم الذاتي، وإقامة دولة الكفاءات، والقضاء على الفساد، وتحسين قطاعي التعليم والصحة.
و"شرارة" هي "فكره لطالما جالت بخواطر وعقول كل السودانيين.. وهى كيف أنهم صامتون على هذا الذل من نظام مزق بلادهم، وأحدث شرخا عميقا في نسيجهم الاجتماعي. نظام شوه عقول الشباب وزور تعريف القيم والوطنية والحرية". كما تقول الصفحة.
وتضيف: "شرارة هي انتفاضة كل السودانيين ضد القهر والظلم والاستبداد. هي ثورة شباب هذا البلد بكل أطيافهم ومعتقداتهم وتوجهاتهم. لن نسمح لأي جهة سياسيه كانت أم عقائدية أن تختطف منا ثورتنا.. هي للأحرار فقط من أبناء وبنات هذا الوطن".
قيادة افتراضية للتظاهرات
ودعت حركة "قرفنا" المواطنين السودانيين إلى الخروج السلمي في الشوارع على شكل تجمعات في العاصمة والولايات، ورفع شعارات تلخص مطلباً واحداً: "رفض الإجراءات الاقتصادية الظالمة، واستقالة الحكومة"، وناشدت "أبناء الشعب من الشرطة والجيش للوقوف في صف الشعب، وعدم التعرض للمعتصمين السلميين".
وتنشط الحركة -عديمة القيادة- عبر مجموعات عمل مناطقية، تتكون من الأصحاب والأقارب والنشطاء المعروفين، لضمان عدم اختراقها في حال جرى اعتقال أحد أفرادها، وتتصل ببعضها عن طريقة جسم تنسيقي. واجتذبت صفحتها على فيسبوك نحو 20 ألف عضو، ويتبعها على تويتر نحو 3500 شخص.
وتسرد الحركة على موقعها الإلكتروني 14 مطلبا، أبرزها: استقالة حكومة المؤتمر الوطني، واستبدالها بحكومة انتقالية، ترأسها شخصيات وطنية و قيادات شبابية، إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين وكفالة حرية العمل السياسي والإعلامي، والتحقيق في كل جرائم الفساد والثراء غير المشروع.
جمعة الرياح العاتية
ودعت الحركة، يوم الجمعة الماضي، إلى التظاهر تحت اتسم "جمعة الكتاحة"، وهي كلمة سودانية عامية تعني "جمعة الرياح العاتية"، واتخذت شعارا لها "ضد الكيزان"، وتعني في العامية السودانية "ضد الإسلاميين"، في إشارة إلى حزب المؤتمر الوطني الحاكم بقيادة البشير، الذي قاد انقلابا عسكريا على حكومة الصادق المهدي في يونيو 1989، قبل أن يتولى حكم البلاد إلى الآن.
وتدور مواجهات منذ ثمانية أيام في مناطق متفرقة من العاصمة الخرطوم بين متظاهرين والشرطة، وتشتد مع دخول ساعات الليل. وتتركز الاشتباكات في حي الديم وسط الخرطوم، وهو حي تقطنه طبقة فقيرة من السودانيين، ويبعد بضعة كيلومترات فقط عن حي الخرطوم 2، أحد أرقى أحياء العاصمة، الذي يحتضن منشآت حيوية، منها قصر الرئاسة، ومطار الخرطوم الدولي، ومقر وزارة الدفاع الملاصق للمطار، بالإضافة إلى سفارات دول غربية.
وتوسعت الاحتجاجات خلال أسبوع لتصل إلى مدينة أم درمان غربي الخرطوم على شاطئ النيل، التي تضم مبنى الإذاعة والتلفزيون، بالإضافة إلى شارع الستين جنوب شرقي الخرطوم. وطالت الاحتجاجات اليوم كسلا، شرق السودان، على بعد 480 كيلومترا من العاصمة الخرطوم.
ونقل التلفزيون السوداني، السبت، أن الشرطة أمرت عناصرها بوضع حد فوري للتظاهرات في السودان باستخدام "الحسم الأمني"، قبل امتدادها إلى أماكن أخرى. وجاءت ترجمة التحرك على الأرض سريعة، حيث ألقت قوات الأمن القبض على 11 معارضا، السبت، وداهمت عددا من مقرات الأحزاب المعارضة.
ويعد موقع سودانيز أون لاين، الذي يديره من أميركا بكري أبو بكر، فضاء السودانيين الأوسع للحوار عبر الإنترنت بشأن الأحداث الجارية حاليا في بلادهم. ويكتب في الموقع مجموعة من الناشطين والمعارضين والسياسيين السودانيين من مختلف المشارب. وتعرض الموقع أكثر من مرة لعمليات قرصنة.
كما تنشط أيضا صحيفة "حريات" الإلكترونية المعارضة، التي تدار من خارج السودان، ويكتب فيها عدد من المعارضين السياسيين، ولها شعبية واسعة في الداخل السوداني.
وتتابع هذه المواقع عبر صفحاتها أحداث الاحتجاجات في كافة أنحاء السودان أولا بأول، وتحدثها بالصور والفيديوهات والمعلومات المتعلقة بتحركات النشطاء وتجمعات الشرطة، والمواجهات اليومية بين الشرطة والمحتجين.