من يد الفنان الفرعوني الذي نحت أشهر التماثيل في العالم منذ آلاف السنين، التقط النحات المصري محمود مختار الإزميل ليعيد في بدايات القرن العشرين إحياء هذا الفن الذي أهمله المصريون لقرون وليكون أول مثال مصري منذ عصر الفراعنة.

وتكرمه اليوم شركة محرك البحث العالمية غوغل في الذكري 121 لميلاده إحتفاءا واضعة رسم لأشهر تماثيله "نهضة مصر" كواجهة لصفحتها التي تستقبل مليارات الزيارات كل يوم.

تقف الفلاحة السمراء بشموخ لتشيح طرحتها التقليدية عن وجهها ذي القسمات التي تشع قوة وسكينة وصلابة وعذوبة في آن واحد بينما عيناها تتطلعان إلي أفق المستقبل. يدها اليمني تلمس رأس أبو الهول تستمد منه قوة ومجد التاريخ بينما هو الذي ظل قابعا آلاف السنين يأخذ في النهوض علي قدميه.

هكذا صور مختار بلده في تمثال "نهضة مصر" بعد أن رآها تخرج من سباتها بعد ثورة 1919 التي قادها الزعيم الوطني سعد زغلول ضد الاحتلال البريطاني.

في 10 مايو 1891 ولد مختار في قرية طنبارة بالمحلة الكبرى، وفي طبيعة القرية وجد مختار لبنة فنه الأولى فكان يلعب بجوار الترعة ويشكل من الطين أشكالا لما يراه حوله من أشجار وحيوانات وأشخاص.

وفي 1908 كان من أوائل الطلبة الذين التحقوا بمدرسة الفنون الجميلة التي أنشأها الأمير يوسف كمال من ماله الخاص لينهض بالفن في مصر. واسترعت براعة مختار انتباه مدرسيه الذين خصصوا له مرسما خاصا لتتجلي موهبته وينطلق فنه.

إنجاز مختار لم يتلخص فقط في إحياء فن النحت بعد قرون من إهماله لتشبيهه بصناعة الأصنام ولكن أيضا لأنه نقل هذا الفن الذي كان حكرا علي تماثيل النخبة والحكام إلي قلوب الشعب وليجعل منه رسالة وطنية.

فقد شعر مختار بنبض الشعب وجسد شخصياته البسيطة مثل سلسلة الفلاحات ومنها تمثال لفلاحة تملأ جرتها ويضج التمثال بحركة سلسلة للفلاحة وهي تسحب ذراعها لتشد الجرة بعد أن ملأتها بمياه النهر.

كما أبدع تماثيل كاريكاتورية مثل "ابن البلد" أثناء سنوات الدراسة التي سبقت سفره إلى باريس عام 1911 ليصقل موهبته علي يد فنانين فرنسيين.

جسد أيضا رموز مصر الوطنية والفنية مثل سعد زغلول و المطربة أم كلثوم التي فاز عن تمثاله لها بجائزة من معرض صالون باريس عام 1925.

وظلت أعماله متأثرة بحياة بلاده السياسية حتى ما في ظاهره محاكاة الطبيعة. ففي تمثاله "الخماسين"، هذه الرياح الترابية التي تهب علي مصر كل عام، تقف فلاحة بصلابة في وجه الرياح وهي تشد طرحتها علي جسدها لتحتمي من الأتربة.

ورغم صمت الحجر تكاد أن تسمع صفير الرياح من حوله وتشعر بمقاومة المرأة للظاهرة التي تريد أن تطيح بها أرضا. وكان مختار يرمز إلى الأزمات السياسية التي كانت تعصف بمصر في هذا الوقت.

ورد الشعب المصري الحب لفنانه فخرج يستقبله في مظاهرات ترحيب عند عودته من أوروبا بعد أن نال جائزة من معرض الفنانين الفرنسيين في باريس عن النموذج المصغر لتمثال "نهضة مصر" وتبرع أبناء الشعب لتغطية نفقات إقامة التمثال الذي ساهمت فيه الدولة ورعاة الفن المصريون.

التمثال يحتل الآن مدخل الشارع المؤدي إلي جامعة القاهرة.

وساهم في تأسيس مدرسة الفنون الجميلة العليا وشارك في معرض باريس عام 1930 وكان أول فنان مصري، بل عربي، يعرض أعماله في معرض الفن العالمي في باريس ويحصل علي الميدالية الذهبية لمعرض الفنانين الفرنسيين السنوي متفوقا على جميع الفنانين الأخرين.
وعلى الرغم من وفاته المبكرة في 27 مارس 1934 عن 42 عاما فإن أعماله كانت غزيرة وتم جمعها في متحف يحمل اسمه ليكون المثال المصري الوحيد الذي يخصص معرض لأعماله.

صورة النحات محمود مختار من منتدى الكتاب العربي