وسط أجواء مشحونة، أضحت أزمة التهدئة بين إسرائيل وحماس أشبه بلعبة شطرنج تتقاذف فيها الأطراف قطعها بحذر، وسط ضغوط محلية ودولية وتوقعات غير محسومة.

وبين الاتهامات المتبادلة بشأن التزام الطرفين بمسودات الاتفاق، يبقى التساؤل بشأن مدى استدامة هذه التهدئة واحتمالات انهيارها، مفتوحًا.

اتفاق غزة.. هل تطيح "أزمة اللحظة الأخيرة" بالاتفاق؟

أزمة اللحظة الأخيرة.. ما وراء الاتهامات

اتفاق التهدئة الذي وصفته المصادر بـ"الهش" يعكس حالة من عدم الثقة المتبادلة بين الطرفين، كما أشار رئيس مركز القدس للدراسات، أحمد رفيق عوض، الاتفاق، برأيه، "مليء بالمطبات والتعقيدات التي لا توفر ضمانات حقيقية لاستمراريته". هذا التحليل يدعمه تأجيل اجتماع الحكومة الإسرائيلية المصغرة لمناقشة المصادقة على الاتفاق، مما يبرز وجود انقسامات داخلية لدى الجانب الإسرائيلي.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يتوانَ عن اتهام حماس بمحاولة انتزاع تنازلات إضافية "في اللحظة الأخيرة"، وهو ما نفته الحركة بشدة.

ويرى المستشار السابق في وزارة الدفاع الإسرائيلية كوبي لافي أن هذه التصريحات قد تكون محاولة لإرضاء المعارضة الداخلية، التي طالبت بضمان عدم تكرار ما حدث في السابع من أكتوبر.

حسابات الربح والخسارة.. إسرائيل وحماس تحت المجهر

من جهة إسرائيل، يرى المستشار في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عمرو الشوبكي أن "إسرائيل نجحت في إضعاف القدرات العسكرية لحماس دون القضاء الكامل عليها".

ومع ذلك، فإن استمرار العمليات العسكرية يهدد بتوسيع الفجوة بين إسرائيل والمجتمع الدولي، الذي بدأ ينظر بقلق إلى استمرار استهداف المدنيين الفلسطينيين، والذي تجاوز عددهم 50 ألف ضحية في الأشهر الأخيرة، بحسب الشوبكي.

أما حماس، التي تواجه ضغطًا شعبيًا غير مسبوق، فإنها تخشى أن تُستخدم اتفاقات التهدئة كذريعة لاستهدافها مستقبلًا أو عزلها سياسيًا. ويرى الباحث في مركز الشرق الأوسط بواشنطن سمير التقي أن الحركة تعتمد على "الحاضنة الشعبية المدفوعة بمشاعر الغبن والاحتلال"، مشيرًا إلى أن غياب البدائل السياسية قد يجعل من الكفاح المسلح الخيار الوحيد أمامها.

بعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.. ما خطة اليوم التالي؟

التحديات الإقليمية والدولية.. توافق أم تناقض؟

يأتي الاتفاق في ظل متغيرات دولية وإقليمية تضغط باتجاه تهدئة الوضع، حيث تلعب الولايات المتحدة، وفقًا لسمير التقي، دورا محوريا في "ضمان عدم انهيار الاتفاق"، لا سيما بعد الانتخابات الأميركية التي غيرت موازين اللعبة السياسية في المنطقة.

ومع ذلك، يعبر التقي عن قلقه بشأن "تراجع النفوذ الأميركي في الإقليم"، مشيرا إلى أن إدارة ترامب السابقة تركت فراغا سياسيا يتطلب جهودا مضاعفة لإعادة ترتيب أولويات المنطقة.

وفي السياق ذاته، تبدو إيران حاضرة بقوة في معادلة التهدئة، حيث يرى لافي أن "انسحاب إيران من المشهد الإقليمي سيخلق فراغًا في مناطق عدة كاليمن ولبنان والعراق، مما يعزز التحالفات بين إسرائيل والدول العربية المعتدلة".

ما دور السلطة الفلسطينية وحماس في اليوم التالي للحرب؟

هشاشة الداخل الإسرائيلي وصراع القوى

تشهد إسرائيل حالة غير مسبوقة من الانقسام الداخلي، حيث تلعب المعارضة دورا بارزا في الضغط على الحكومة، كما أشار كوبي لافي.

وعلى الرغم من ذلك، يرى المراقبون أن المعارضة الإسرائيلية تدعم نتنياهو "ظاهريًا" لتحقيق تقدم في المفاوضات مع حماس، لكنها لا تزال ترفض استحقاقات التهدئة على المدى الطويل.

بن غفير.. من هو زعيم حزب العظمة اليهودية اليميني المتطرف؟

كما أن التحولات داخل الحكومة الإسرائيلية تُبرز التناقضات بين وزراء مثل بن غفير وسموتريتش، الذين يتبنون مواقف استفزازية. ويرى أحمد رفيق عوض أن "هذه المواقف تعكس صراعًا على تسجيل نقاط سياسية، مما يزيد من هشاشة الاتفاق وقد يهدد بإعادته إلى نقطة الصفر".

هل يكون الاتفاق مستداما؟

على الرغم من التحديات الواضحة، يرى الشوبكي أن "الوصول إلى تهدئة ولو مؤقتة يمثل خطوة إيجابية لوقف النزيف الدموي". ومع ذلك، تبقى التحديات الكبرى متمثلة في تنفيذ استحقاقات الاتفاق، مثل تبادل الأسرى وإعادة إعمار غزة، والتي وصفها بأنها "اختبار حقيقي للنية السياسية للطرفين".

وفي حين يؤكد عوض أن "الاتفاق يعكس استعراضًا انتخابيًا أكثر منه التزامًا حقيقيًا بإنهاء النزاع"، يرى التقي أن تحقيق استقرار مستدام يتطلب ضغطًا دوليًا أكبر وإعادة صياغة الأولويات الإقليمية.

يبدو أن اتفاق التهدئة في غزة يعكس حالة صراع ممتدة بين المصالح السياسية والعسكرية لأطراف الصراع، في ظل غياب حل شامل.

وبينما تبقى احتمالات انهيار الاتفاق قائمة، فإن استدامته تعتمد بشكل أساسي على قدرة الأطراف على تجاوز عقبات اللحظة الأخيرة والانخراط في مسار تسوية حقيقية.

الأحزاب والسياسات في ائتلاف اليمين الإسرائيلي