وسط مشهد سياسي وعسكري معقد، أعلنت القيادة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع خطة لإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية.

تهدف هذه الخطوة إلى توحيد الفصائل المسلحة تحت مظلة وزارة الدفاع، لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل يمكن لهذه الجهود أن تتجاوز التحديات العميقة التي تعيق بناء جيش وطني شامل؟

إرث الانقسامات والصراعات

سوريا اليوم تقف أمام تحدٍ كبير يتمثل في تحويل إرث جيش نظامي كان يعاني من الفساد والانغلاق إلى مؤسسة وطنية جامعة. كما أوضح الخبير العسكري صالح المعايطة خلال حواره لسكاي نيوز عربية، فإن البلاد تضم أكثر من 80 فصيلًا مسلحًا يحمل كل منها رؤى متباينة وأيديولوجيات متعارضة. هذا التنوع الفكري والطائفي والعرقي يُعد عائقًا كبيرًا أمام أي محاولة للتوحيد.

المعايطة أكد أيضًا على أن أي تحول في العقيدة العسكرية السورية من العقيدة الشرقية إلى الغربية يتطلب إعادة تقييم شاملة لعلاقات سوريا مع القوى الخارجية، مثل روسيا، التي طالما كانت شريكًا أساسيًا في دعم النظام العسكري السابق.

إعادة تشكيل المؤسسة العسكرية السورية.. الأهداف والتحديات

 تحديات الدمج ما بين الخوف والتردد

وفقًا للأكاديمي السوري محمد حبش، فإن توحيد الجيش السوري الجديد يتطلب بناء الثقة بين جميع الأطراف، مع مراعاة الظروف الاجتماعية التي أدت إلى ظهور الفصائل المسلحة.

ورغم أن لقاء أحمد الشرع مع قادة الفصائل المسلحة حقق تقدمًا أوليًا، إلا أن هناك فصائل أخرى لا سيما الأكراد تبدي ترددًا واضحًا في الانخراط بهذا المشروع.

ويشير حبش أيضًا إلى أهمية دمج أفراد من ذوي الخبرة في الجيش القديم لضمان انتقال سلس، مع الحفاظ على طابع الجيش الوطني الذي يمثل تطلعات الشعب، بعيدًا عن الأيديولوجيات والعقائد السابقة التي أثرت سلبًا على العلاقة بين الجيش والمواطنين.

أخبار ذات صلة

أردوغان: سنسمح بدخول وخروج اللاجئين السوريين لبعض الوقت
روسيا تخلي قاعدة عسكرية في ريف الحسكة بسوريا

الأبعاد الإقليمية والدولية... تأثير المصالح الخارجية

دوليًا، يرى توم حرب، مدير التحالف الأميركي الشرق أوسطي للديمقراطية، أن نجاح إعادة هيكلة الجيش السوري يعتمد بشكل كبير على صياغة دستور جديد يعكس تنوع الشعب السوري، مع ضمان احترام حقوق جميع المواطنين.

لكنه يثير تساؤلات حول مدى قدرة القيادة السورية على تنفيذ هذه المهمة دون مساعدة دولية، في ظل وجود قواعد عسكرية أميركية وتركية في المنطقة.

ويبرز حرب قلقًا غربيًا من التدخل التركي المتزايد، حيث يرى أن تركيا تسعى لاستعادة نفوذها العثماني عبر تعزيز الإسلام السياسي، وهو ما قد يؤثر على مستقبل الاستقرار في سوريا.

كما يشير إلى أن الحكم الذاتي للأكراد في شمال شرق سوريا قد يشجع مطالبات مماثلة في مناطق أخرى، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي.

خطوات ضرورية لبناء جيش وطني

تتفق الآراء التحليلية على ضرورة تحقيق مجموعة من الخطوات لضمان نجاح إعادة هيكلة الجيش، أبرزها:

  • صياغة دستور جديد: يعتبر حجر الأساس لأي تحول سياسي وعسكري، كما أشار صالح المعايطة.
  • حكومة انتقالية شاملة: تؤكد حباش على ضرورة تشكيل حكومة انتقالية بحلول مارس، قادرة على حماية جميع السوريين.
  • إصلاح عقيدة الجيش: التحول من جيش نظامي إلى جيش وطني يتطلب التخلص من النفوذ العقائدي السابق.
  • تحقيق التوازن الإقليمي: معالجة المخاوف من التدخلات الخارجية وضمان عدم تأثيرها على السيادة السورية.

إعادة تشكيل المؤسسة العسكرية السورية ليست مجرد عملية تنظيمية، بل هي تحول شامل يتطلب توافقًا داخليًا وإرادة سياسية قوية. في ظل التحديات المتعددة، تبقى إمكانية تحقيق هذا الهدف مرهونة بقدرة القيادة السورية على إدارة الحوار الداخلي، وضمان التوازن بين المصالح الوطنية والإقليمية.

فالطريق إلى جيش وطني سوري يبدو شاقًا، لكنه يمثل خطوة ضرورية نحو بناء دولة متماسكة قادرة على استعادة مكانتها في المنطقة والعالم.