لم تذرف البشرية قطرة دمع واحدة على سقوط نظام بشار الأسد، ومن ذا الذي سيأسف على كيان تختصر عقود حكمه الخمسة، المسالخ البشرية على غرار سجون صيدنايا وعدرا وتدمر وفرع فلسطين، وحفر الموت الجماعي في الجنوب الدمشقي، ومصانع الكبتاغون المنتشرة في مشارق البلاد ومغاربها، ولا باستطاعة أحد نسيان المشاهد المفرطة في قسوتها حين ضرب غاز السارين على أطفال نيام، في غوطتي دمشق، الشرقية والغربية.

لكن سقوط نظام بشار الأسد، ليس النهاية السعيدة للقصة السورية، إنما بداية هذه القصة، التي يتربص بها ما قد لا يسرّ السوريون.

ولكم أثبت التاريخ في غير تجربة، أن أسهل مرحلة في تأسيس نظام جديد، كانت بإسقاط النظام السابق، حتى لو كان ذاك النظام بصلافة البعث السوري.

وأمام سوريا الجديدة، ثمة 3 شروط شارطة، لتحقق قيامتها، وهذه الشروط لا تضمن نجاح التجربة، إنما تتجنب ضمان فشلها!

أيدولوجية الحكم

الشرط الأول يتحدث عن شكل الحكم في سوريا الجديدة، بمعنى أنها يجب أن تكون دولة مدنية، وذلك ليس لترف فكري، أو تمنيا لسوريا ذات مظهر حسن، إنما أن السوريين مزركشون في تعددهم وتنوعهم، نعم، هناك أغلبية من المسلمين السنة، لكنها تبقى أغلبية كبيرة وليست كاسحة، حتى يكون فيها الحكم دينيا ومستندًا إلى تفسير المسيطرين على المشهد اليوم في دمشق، لنهج الدين الإسلامي.

وقبل أن يضطر المرء لتعداد عشرات الديانات والمذاهب والإثنيات التي تحتضنها سوريا، مهم جدًا التذكير أيضًا أن المسلمين السنة الذين يحبذون الدولة المدنية ويؤمنون بها ليسوا قلة، كثير من هؤلاء تذوقوا طعم الدول الحديثة حين لجؤوا إلى دول غربية، وتعايشوا مع قيمها وأنظمتها الاجتماعية.

وهكذا إذا ما قسمنا المجتمع السوري إلى فريقين، واحد يريد دولة دينية وثان لا يريدها، فإن أسوأ الاحتمالات ستأخذنا إلى تعادل، ما يعني أنه لو فرضت دولة دينية، ستكون رغمًا عن أنف نصف المجتمع، وهذا الشرح كله للقول إن حتى فكرة الأغلبية ليست حقيقية ولا دقيقة هنا.

والأهم أن إجبار أي أكثرية لأقلية على خيارات تمس بحقوقها وخصوصياتها، ليست ديمقراطية إنما دكتاتورية أغلبية، ذاك أن الديمقراطية تقوم على قيم حداثية، وليس مجرد صندوق انتخاب يفرز أصواتاً أكثر.

ثم قبل ذلك، ثمة حاجة للتنويه هاهنا، أن الدولة المدنية، تعني بالضرورة، الدولة العلمانية، لأن طيفًا من الإسلاميين بارعون في التحايل على المفردات في هذا المقام، بتفسير الدولة المدنية أنها ليست عسكرية وحسب، أبدًا، إن لم تكن علمانية فلا هي مدنية ولا هي دولة أصلاً بمعناها الحديث.

أخبار ذات صلة

موقف واشنطن تجاه الأكراد في سوريا.. هل يتغير في عهد ترامب؟
"قسد" لسكاي نيوز عربية: مستعدون للانضمام إلى الجيش السوري

القضية الكردية 

الكرد السوريون هم أقلية إثنية وازنة في سوريا، وعلى أنهم ليسوا الأقلية الوحيدة، لكنهم يتفردون بخصوصيتهم لناحية التمايز الثقافي كما أنّ لديهم مظالم تاريخية، استهدفتهم لكونهم أنفسهم، وذلك ليس في سوريا وحدها، إنما في الدول الأربع التي يشكلون عنصرًا مهمًا في نسيجها.

والأهم أن الكرد إجمالاً والكرد السوريين خصوصًا بات لهم شخصية قوية وتمرس واحتراف في ممارسة السياسة، وعقد التحالفات، فضلاً عن التجربة الاستثنائية للحكم في أماكن سيطرة الفصائل الكردية في الشمال الشرقي السوري.

هذه الخصوصية الكردية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار، وأن تراعى مطالبهم المعقولة والمحقة.

والحقّ، أن أكراد سوريا لا يطرحون مسألة التقسيم أو الاستقلال بما يسيطرون من مساحات في الشمال الشرقي السوري بما يقترب من ربع مساحة سوريا، وهو أصلًا طرحٌ يستعصى تطبيقه لدواع جغرافية كون السوريون الأكراد منتشرين على أراض تفرّقها بقاع من التجمعات العربية.

لكن ما يطرحونه هو حكم ذاتي، والحكم الذاتي ليس شتيمة ولا عيبًا كما العلمانية ليست كفرًا، كما يروج غلاة القومية، وغلاة الدين.

الحكم الذاتي أو الفدرالي كان الحل في كثير من الأمثلة كي لا تتقسم الدول وتتفرق الأمم، ثم بعد ذلك أصبح محفزًا للنجاح، ويكفي أن الولايات المتحدة وسويسرا وألمانيا والإمارات العربية المتحدة كلها أمثلة عن دول فدرالية ناجحة.

وعليه فإن ما يهمس به أكراد سوريا وما يقولونه صراحة لن يضر سوريا بشيء إنما قد يكون الحل الناجع لإبقائها سوريا كما هي عليه، دولة واحدة، تكفل السعادة لكل أبنائها.

أخبار ذات صلة

أهم عشرة أحداث عالمية في عام 2024
المسيحيون في سوريا.. بين تصريحات مطمئنة وتصرفات مثيرة للقلق

إسرائيل

سموها كما يحلو لكم، معاهدة سلام، اتفاقية تسوية، اتفاقية هدنة طويلة الأمد، أيما كان اسم الوثيقة، لكن يجب أن تخضع العلاقات بن سوريا الجديدة وإسرائيل إلى اتفاقية جديدة، تضمن عدم حصول أي تصادم بين الجانبين، وذلك لأكوام من الأسباب، أولاً أن سوريا الجديدة منهكة، ولن تقوى حتى على مجرد المماحكات مع دولة نووية تتمتع بعلاقات دولية نافذة كإسرائيل.

هذه الاتفاقية المنشودة يجب أن تلتزم بها سوريا الجديدة بحذافيرها، عبر منع وردع أي جماعة لا تحسب لأفعالها حسابًا، وتورط سوريا بحرب لا طاقة لها بها على غرار ما حصل في قطاع غزة ولبنان.

ثمّ كي تقطع الطرق على من يديرون دفة الحكم في تل أبيب أيًا كان هواهم السياسي، يمينًا أم يسارًا، في أن يشنّون حربًا مدمرة ضد سوريا لتحقيق أهدافٍ يكلفون أنفسهم عناء إعلانها، أو يضمرونها.

ولتقريب الصورة أكثر إلى القارئ، بالإمكان مراجعة حال الحدود عن جيران إسرائيل الأربع، لقد نجحت مصر ونجح الأردن في حماية أمنيهما القومي وحدودهما، عبر اتفاقيتين لكم تلقتا ذمًا من كثير من أصحاب الرؤوس الحامية، فيما تفتت لبنان الذي أراد فصيل مسلح بين أحزابه السياسية أن يقاوم أيًّا كانت تبعات هذه المقاومة، وانتهكت سيادة سوريا على مدى عقود من الزمن.