شهدت دمشق وعدة مدن أخرى حراكا شعبيا يطالب بمدنية الدولة ويعبر عن رفضه للهيمنة الفكرية التي تمارسها بعض الجماعات المتشددة. إحدى التظاهرات في دمشق حملت مشهدا أثار جدلا واسعا، حيث دعا أحد المشاركين إلى عزل النساء عن الرجال أثناء الاحتجاج، مرددا شعارات دينية وسط هتافات التكبير.

هذه الدعوة فتحت الباب واسعا لنقاش حول طبيعة الحراك الشعبي السوري والمخاوف المتزايدة من سيطرة الجماعات المتشددة على المشهد العام.

الخبير في شؤون الجماعات المتشددة، ماهر فرغلي، قال في تصريحات لـ"سكاي نيوز عربية": "أي اعتقاد بأن الجماعات الإسلامية، مثل هيئة تحرير الشام، قد تحولت إلى قوى معتدلة بالكامل هو اعتقاد خاطئ.. هناك أصول ثابتة لدى هذه الحركات تجعلها تسعى لفرض رؤيتها بشكل تدريجي".

خطر الفكر المتشدد على الحراك الشعبي

ومن الواضح أن التظاهرات الأخيرة التي تطالب بمدنية الدولة تواجه تحديات من الداخل، تتمثل في محاولات بعض التيارات ذات الأجندات المتطرفة لتوجيهها نحو أولويات بعيدة عن أهدافها الأساسية. الدعوة إلى عزل النساء عن الرجال ليست مجرد إجراء تنظيمي، بل تعتبر، وفقًا لفرغلي، جزءا من "فقه الضرورات" الذي تستغله الجماعات المتشددة لتبرير خطواتها المؤقتة نحو السيطرة الكاملة.

ويضيف فرغلي: "هذه الجماعات تتبنى نموذجا براغماتيا في مراحلها الأولى، لكن أصولها الفكرية تبقى قائمة على فكرة الدولة الصارمة. ما حدث في تظاهرة دمشق هو مؤشر واضح على المحاولات المستمرة لهذه التيارات لتثبيت أقدامها وتغيير مسار الحراك نحو أهدافها الأيديولوجية".

المئات يتجمعون في ساحة الأمويين بدمشق للمطالبة بنظام مدني

التناقض بين الشعارات والممارسات

رغم محاولات هيئة تحرير الشام وغيرها من الجماعات تقديم نفسها بصورة معتدلة، إلا أن الأحداث على الأرض تكشف تناقضا صارخا بين الشعارات والممارسات. فالحراك المدني الذي يدعو إلى دولة ديمقراطية علمانية يجد نفسه مضطرا لمواجهة خطاب متشدد يحاول استغلال الفضاء الشعبي لتمرير أجنداته.

في هذا السياق، أشار فرغلي إلى أن "تجارب مشابهة في دول أخرى، مثل مصر، أظهرت كيف تتلاعب هذه الجماعات بالخطاب التوافقي في البداية، لكنها تنقلب لاحقا لتفرض رؤاها بالقوة، مما يؤدي إلى صدام حتمي مع المجتمعات التي تتطلع إلى الحرية والديمقراطية".

الرهانات الدولية على الحراك السوري

الدور التركي والإقليمي في دعم بعض الفصائل المسلحة، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام، يثير قلقا دوليا، فبينما يرى البعض أن هذه الجماعات قادرة على ضبط الأوضاع في مناطق سيطرتها، يحذر فرغلي من أن "النموذج الذي تسعى هذه الجماعات إلى فرضه هو نموذج مهدد للحريات ويخلق بيئة مشحونة بالصراعات الداخلية والخارجية".

وبين الدعوات المدنية وتيارات التشدد، يجد الحراك الشعبي السوري نفسه في مفترق طرق. التحدي الأكبر يتمثل في الحفاظ على طابعه المدني وعدم السماح لأي طرف بجره إلى خطاب يستبدل الطموح الديمقراطي بقيود أيديولوجية أخرى. وكما قال فرغلي: "الوعي الشعبي والضغط من أجل مدنية الدولة هو السبيل الوحيد لمواجهة محاولات الهيمنة المتشددة".

هذا الحراك يعكس تطلع السوريين إلى الحرية والديمقراطية، لكنه في ذات الوقت يُظهر مدى تعقيد المشهد السوري، حيث تتشابك الأهداف المدنية مع محاولات السيطرة الأيديولوجية.

سوريا مدنية لا عسكرية ولا دينية.. ومفاجأ من بنزيمة