يشهد التوتر بين تركيا والمقاتلين الأكراد تصاعدا مستمرا، مما يهدد الاستقرار في الشمال السوري. مع إبقاء الجيش التركي على حالة التأهب، تتعقد الأوضاع وسط مطالب أنقرة بتفكيك قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وضمان أمن حدودها. هذا التقرير التحليلي يستعرض جذور المشكلة وفرص الحلول الممكنة.

الجذور التاريخية والسياسية للأزمة

تعكس الأزمة بين تركيا والمقاتلين الأكراد صراعا طويل الأمد ذو أبعاد قومية وسياسية. تطالب تركيا بتفكيك قسد، التي تعتبرها امتدادا لحزب العمال الكردستاني، بينما تؤكد قسد أنها قوة متعددة المكونات تضم أكرادا وعربا وسريانا وتحظى بدعم دولي في مكافحة الإرهاب.

تركيا والأكراد.. حسابات غير منتهية في الشمال السوري

تسعى تركيا إلى تأمين حدودها الجنوبية ضد أي تهديدات أمنية. وقد أوضح الكاتب والباحث السياسي علي أسمر خلال حديثه لغرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية أن أنقرة ترى في قسد تهديدًا مباشرًا لوحدة أراضيها، قائلًا: "تعد مسألة إنهاء قسد مطلبا تركيا أساسيا لتحقيق الاستقرار السياسي في سوريا، خاصة مع اقتراب الانتخابات التركية".

كما أشار إلى أهمية تكيف الأكراد مع الوضع الجديد ودخولهم في تشكيل جيش سوري موحد.

من جهة أخرى، تعهدت قسد بمواصلة التصدي لأي تدخلات عسكرية تركية، مشددة على أهمية الحوار لتحقيق السلام. ووفقًا لمدير المركز الكردي للدراسات نواف خليل فقد أكد: "لا يسعى الجانب الكردي للتصعيد، بل يؤكد أن الحوار هو السبيل للخروج من المأزق الحالي".

وأكد أن قوات سوريا الديمقراطية كانت القوة المحورية في تحرير مناطق سورية من سيطرة داعش.

التحديات أمام الأطراف المتنازعة

يشكل انعدام الثقة بين تركيا وقسد عائقا كبيرا أمام أي اتفاق مستقبلي. وترى تركيا أن ارتباط قسد بحزب العمال الكردستاني يمثل تهديدًا لأمنها القومي، بينما تطالب قسد بضمانات دولية لحماية مكتسباتها.

تتداخل مصالح قوى إقليمية ودولية عديدة في الملف السوري، مما يعقد جهود التوصل إلى حلول سلمية. ووفقًا للدكتور محمد حبش، "يجب أن تركز الجهود على الأجندة الوطنية السورية بعيدًا عن التأثيرات التركية والأمريكية لتحقيق مصالح الشعب السوري".

كما دعا إلى وضع جدول زمني لتوحيد الجيش السوري واعتماد الحوار كبديل عن الصراع.

يؤدي التصعيد إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في الشمال السوري، حيث يتعرض المدنيون للنزوح والانتهاكات. وأكدت وزيرة الخارجية الألمانية، كما نقل نواف خليل، أن "الشعب السوري لا يحتاج إلى مزيد من الدماء بعد 14 عامًا من الصراع".

فرص الحلول ومستقبل الأزمة

يرى الخبراء ضرورة إشراك جميع الأطراف السورية في حوار وطني شامل. وشدد الدكتور حبش على أهمية "اعتماد الحوار بدلاً من التدخلات العسكرية كوسيلة لتحقيق الاستقرار".

واقترح نواف خليل إنشاء مناطق منزوعة السلاح في المناطق المتوترة مثل عين العرب كوباني تحت إشراف التحالف الدولي لتجنب التصعيد.

أما علي أسمر فيشير إلى أهمية تشكيل جيش سوري قادر على حماية الحدود وضمان الأمن الداخلي، وهو مطلب أساسي لتركيا والمجتمع الدولي.

ويبقى الشمال السوري في قلب الصراع الإقليمي، حيث يتطلب الوضع خطوات جريئة ومبادرات حقيقية لتجنب المزيد من التصعيد. وبينما تظل فرص الحوار قائمة، فإن استمرار التوترات يعكس تحديات معقدة تتطلب تعاونًا دوليًا وإقليميًا لتحقيق الاستقرار والسلام.