يشهد المشهد السوري الراهن ترقبا دوليا وإقليميا لمستقبل التوجهات السياسية لهيئة تحرير الشام والحكومة السورية المؤقتة، في ظل محاولات الهيئة التحول إلى كيان سياسي براغماتي قادر على إعادة صياغة المشهد السوري بما يتماشى مع المتطلبات الدولية والمحلية.

رغم المحاولات العديدة من قبل هيئة تحرير الشام لتبني سياسات أكثر انفتاحا وإجراء تغييرات تظهر استعدادها للتحول إلى قوة سياسية شرعية، لا يزال تصنيفها كمنظمة إرهابية أمميا وأميركيا يشكل تحديا كبيرا أمامها.

ترقب دولي لنهج الحكومة السورية المؤقتة وهيئة تحرير الشام

الخبير في الشؤون الأميركية عقيل عباس يرى أن الهيئة بدأت خطوات منذ عام 2019 في اتجاه "الانفتاح التدريجي"، مشيرًا إلى تعاملها المختلف مع احتجاجات إدلب الأخيرة، حيث استخدمت وسائل غير عنيفة مثل الغاز المسيل للدموع، وهو تطور يفهم ضمن محاولاتها لنيل رضا الولايات المتحدة وإزالة التصنيف الإرهابي عنها.

وأضاف عباس أن المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة، يتابع هذه التحولات عن كثب، حيث يُنظر إلى هيئة تحرير الشام كاختبار حقيقي لإمكانية تطور كيان كان متشددا أيديولوجيا إلى جهة سياسية مدنية قادرة على المساهمة في صياغة مستقبل سوريا وفق قواعد دستورية متفق عليها.

في السياق ذاته، أشار الأكاديمي والبرلماني السوري السابق، محمد حبش، إلى أن تصريحات زعيم هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني، بشأن نهاية الحكم المركزي والاتجاه نحو اللامركزية، تعكس واقعية جديدة يجب أن تُحتضن.

واعتبر حبش أن المركزية هي أحد أسباب الاستبداد في سوريا، مشددًا على أهمية اعتماد نهج يمنح السوريين حقوقهم الثقافية والاجتماعية في إطار وطني موحد.

الجولاني: الأكراد جزء من الوطن وشركاء سوريا المقبلة

الترقب الإقليمي والدولي لتغيير سياسي مستدام

من جهة أخرى، تبرز المخاوف الإقليمية من التداعيات المحتملة لأي تغيير سياسي في سوريا. المستشار السابق في رئاسة الوزراء التركية، جاهد توز، أكد على وجود تعقيدات جدية في العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا بشأن الوضع السوري.

وقال إن فكرة إنهاء الحكم المركزي لصالح نظام فيدرالي قد تؤدي إلى توترات مع أنقرة، خاصة في ضوء المسائل المتعلقة بالحقوق الكردية والإدارة الذاتية.

أما أستاذ العلوم السياسية خالد شنيكات، فقد أشار إلى أن التحرك العربي نحو دعم سوريا يعكس إدراكا جديدا لدروس الماضي.

وأكد أن أي دعم عربي لسوريا مرتبط بشرطين أساسيين:

  • تحقيق الاستقرار الداخلي
  • إجراء تغييرات سياسية تلبي تطلعات الشعب السوري.

وأوضح أن الاعتراف الدولي بالتغييرات السياسية هو بمثابة "شهادة ميلاد" لأي حكومة جديدة في سوريا، محذرا من تكرار سيناريوهات الدول الفاشلة.

تحديات أمام الاعتراف الدولي والمحلي

تبقى التحديات التي تواجه هيئة تحرير الشام والحكومة السورية المؤقتة مرتبطة بقدرتها على تقديم نفسها كجهة سياسية مستقلة، قادرة على تجاوز التصنيفات الإرهابية والاندماج في المشهد السياسي الدولي.

كما أشار عقيل عباس، فإن إنهاء تصنيف الهيئة كمنظمة إرهابية يحتاج إلى إجراءات واضحة، مثل دمج الميليشيات في جيش وطني واحد، وصياغة دستور مدني يضمن تداولًا سلميًا للسلطة، وهو أمر لا يزال بعيد المنال في ظل الانقسامات الداخلية والخارجية.

ويبقى المشهد السوري معقدا، وسط آمال دولية وإقليمية بأن يؤدي التغيير في سياسات الهيئة والحكومة السورية المؤقتة إلى إعادة ترتيب الأوضاع في سوريا بما يضمن الاستقرار، مع مخاوف مستمرة من صراعات جديدة قد تعيد البلاد إلى نقطة الصفر.