لا يمكن المرور سريعا على مشهد أحمد الشرع، الذي نعرفه أكثر باسم أبي محمد الجولاني، وهو يجلس الإثنين بين رئيسي وزراء سورييين واحد سابق وآخر لاحق.
فقد كان الرجل متسيدا للمشهد، ذاك أنه هو من أنهى خدمة الأول محمد غازي الجلالي، ثم نصب الثاني محمد البشير، ترأسهم متحدثا وواعظا وهما في صمت ما لم يتح لهما بعض الكلام.
يتبوأ أحمد الشرع حسبما تشير البيانات إلى إدارة العمليات العسكرية في المعارضة السورية، قيادة هذه الإدارة، التي لم تعد معارضة بالمناسبة منذ إسقاط نظام بشار الأسد.
لكن المقاطع القصيرة التي تظهر له منذ بداية الطوفان السوري في أواخر نوفمبر الفائت، تظهره كحالة فوق المجتمع والدولة.
يقصي رؤساء الوزراء وينصبهم، يطمئن السوريين الخائفين، ويحفز المتأملين، يتجول في قلعة حلب التاريخية، ويخطب في مسجد بني أمية في دمشق.
يقدم أحمد الشرع نفسه كمرشد جديد لسوريا، وإن لم يكن قد أعلنها صراحة، فإن العين التي ترى تدرك أنه يمارسها واقعا.
لكن شيئا واحدا لا يأت أحمد الشرع على ذكره، ولا حتى يدينه بقصاصة من كلام رتيب، رغم أنّه يهز سوريا صخبا، وهو القضم الإسرائيلي للجنوب السوري، والقصف الذي تفاخرت تل أبيب أنه الأوسع على الإطلاق منذ بداية الصراع مع سوريا، مستهدفا وأد قوة الجيش السوري في مهدها، وهو استهداف يشمل تدمير كل ترسانات السلاح الاستراتيجية منها والتكيتيكي.
المرصد السوري قال إن 310 غارات نفذتها إسرائيل في غضون يوم واحد، وهو رقم قياسي، يضاف إلى سجلات إسرائيل في أرقام الحروب القياسية.
هذا الصمت المستغرب لشخصية جدلية تنقلت بين تنظيمات لا تختلف إلا بدرجة تقيدها بنهج السلفية المتطرفة يشي بأن احتمالا واحدا بين احتمالين اثنين، أو ربما الاحتمالان معًا، هما ما يقفان خلفه.
الأول في أن يكون التوغل والقصف الإسرائيلي جزءا من صفقة أوصلت المشهد إلى ما هو عليه الآن في سوريا، وقد سال حبر كثير في الإعلام الدولي قبل أيام حول صفقة إسرائيل جزء منها، تفضي إلى إنهاء النفوذ الإيراني في سوريا بإسقاط الأسد.
والثاني أن أحمد الشرع وهيئته يوليان مسألة التمكن من السيطرة على الحكم وإنشاء نظام خلافة من ذاك الذي تحلم به كل جماعة دينية متشددة، علي أيّ شيء آخر، حتى لو كان احتلال إسرائيلي لأراض سورية جديدة. فيما يدرك وهيئته أنه ليس بمقدورهم الآن مقارعة دولة نووية فائقة التقدم التقني.
وهذا السيناريو لو أنه يحصل فعلا يعني أن "مرشد" دمشق الجديد يمارس براغماتية أحمد الشرع، كي يحقق حلم أبو محمد الجولاني.