سجل الثالث والعشرون من أغسطس نفسه في قائمة الأيام العجاف القاسية التي ترسخ طويلا في ذاكرة حزب الله.
ففي هذا اليوم الطويل على الحزب، الذي دخل في نزال مع إسرائيل في اليوم التالي للسابع من أكتوبر الرهيب، فقد 7 من مقاتليه.
وهي حصيلة لم يتجاوزها إلا يومان اثنان منذ ذلك التاريخ، في 24 أكتوبر خسر حزب الله 9 عناصر، وفي 15 فبراير خسر 8.
أما العداد العام فبات يناهز 430 عنصرا بينهم فؤاد شكر، صاحب أعلى رتبة في هيكلية حزب الله العسكرية، وسواه من قادة الصف الأول، والقادة الميدانيين.
هذه المعطيات والأرقام يمكن فهمها بأن إسرائيل تمهّد بالنار لحرب أوسع في جبهة لبنان، وهو مالم تخفه تل أبيب منذ أن أطلق حزب الله قذيفته الأولى صوب أجهزة الرادار في موقعي زبدين ورويسات العلم في مزارع شبعا جنوبي لبنان بتاريخ 8 أكتوبر.
وبينما يعتقد حزب الله أنه يقاتل ضمن قواعد اشتباك في حرب منضبطة، فإن هذه القواعد، إسرائيل لا تراها، وكل ما تقوم به الآن هو أنها تقتنص ما أمكنها من أهداف، لحين توفر الظروف الملائمة للحرب المفتوحة، التي تسعى لأن تفرض بها أهدافها.
رؤى متناقضة
ذاك أن الجانبين ينظران إلى ما يجري بينهما بعينين مختلفتين، حزب الله ذراع إيران الأقوى بين أرخبيل الميليشيات التي تديرها طهران على امتداد الشرق الأوسط يصف معركته بحرب المشاغلة، باعتبار أنه يؤازر حماس والجهاد اللتين تقارعان إسرائيل في جبهة غزة، ضمن ما يطلق عليه محور الجماعات المسلحة الموالية لإيران بـ "وحدة الساحات"، ولذلك يرهن أمين عام الحزب حسن نصر الله بخطاباته دائمًا نهاية القتال بتوقف الحرب في غزة.
تمايز الساحات
أما تل أبيب فتقاتل من منظور مختلف تماما، أنما معاكسًا في الاتجاه.
أوله أن العقلية الإسرائيلية، لا تقبل بأن يكون ثمة كائنًا من كان على حدودها أو في جوارها، يقرر أن يهاجمها ثم يفعل.
ويزكّيه بالمناسبة أن الحزب أوغل في ضرب أهداف في العمق الإسرائيلي، وإبعاد عشرات الآلاف من سكان الشمال، وكشف قلاعها الحصينة عبها المسيرات الاستطلاعية. وقبل كل شيء، كان هو البادئ في الحرب.
وهذا ما تسميه هي قوة الردع، ولذلك فإن الساحات التي تعتقد إيران بتوحيدها، إسرائيل تفرقها تماما، وتميّز فيما بينها، وقد لا يكون صمت البنادق في غزة، إلا إيذانًا بارتفاع دويه في لبنان.