قبل أن ينجلي دخان الهجوم الذي نفذته مسيرتان على حفل تخريج دفعة جديدة من طلاب الكلية الحربية، الأربعاء، بحضور قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في منطقة جبيت العسكرية شرقي البلاد، ظهرت فرضيات عديدة حول طبيعة الهجوم، الذي قتل فيه 5 أشخاص ويعتقد على نطاق واسع أنه كان يستهدف البرهان أولا.
الهجوم تزامن مع تفاقم حدة الخلافات داخل معسكر الجيش، حيث زادت المنصات الإعلامية الموالية لتنظيم الإخوان من هجومها على البرهان، في حين أصدرت الحركات المسلحة التي تقاتل مع الجيش قبل أقل من 24 ساعة من وقوع الهجوم بيانا اعتبره محللون بداية لتصدع في العلاقة التي نمت بشكل كبير بعد اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023.
وحتى الآن لم يصدر بيان رسمي يوضح حيثيات الهجوم أو الجهة التي نفذته، لكن محللين استطلع موقع "سكاي نيوز عربية" آراءهم حددوا سيناريوهات مختلفة لتفسير البعد الأمني والزماني للهجوم ومحاولة معرفة الجهة المستفيدة منه.
طبيعة الهجوم
منطقة جبيت التي وقع فيها الهجوم والتي تبعد نحو 120 كيلومترا من بورتسودان - العاصمة الحالية للحكومة - تعد واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية وتأمينا في السودان، كما تبعد بأكثر من ألف كيلومتر من أقرب نقطة سيطرة لقوات الدعم السريع، وعززت كل تلك المعطيات الشكوك حول دوافع الهجوم والطريقة التي نفذ بها.
ومن وجهة نظر عسكرية، ينبه الأمين ميسرة، الضابط السابق في القوات المسلحة، إلى أن منطقة جبيت التي وقع فيها الهجوم تعتبر من المناطق التي يمكن تأمينها ومراقبتها بسهولة نظرا لطبيعتها الجغرافية ووقوعها في منطقة مكشوفة.
ويقول ميسرة لموقع "سكاي نيوز عربية": "عبور المسيرات بالطريقة التي نفذ بها الهجوم على الموقع المقام فيه حفل التخريج في جبيت، يشير إلى فرضيتين إما وجود تقصير أمني واستخباراتي، أو وجود تقاعس ما خصوصا أن زيارة كزيارة القائد العام للجيش لأي منطقة عسكرية عادة ما تسبقها إجراءات تأمين عالية المستوى".
وعزا ميسرة ظهور البرهان باللباس الميداني، الذي لا يتناسب مع مناسبة تخريج طلاب كلية حربية والتي عادة ما يرتدي قائد الجيش فيها لباسا عسكريا تشريفيا كاملا، إلى وجود مخاوف لاحتمالية استهداف البرهان من جهة ما أو ربما من دوائر محيطة به.
ويوضح: "الخلافات التي تدور حاليا تشكل مناخا مناسبا لأي إفرازات غير متوقعة، خصوصا بالنظر إلى براعة وتجربة تنظيم الإخوان في التصفيات".
ملاحظات مهمة
يحدد الصحفي محمد المختار محمد، المتخصص في تدقيق المعلومات ومكافحة التضليل، ثلاث ملاحظات مهمة تحتاج إلى إجابات تتعلق بتأخر التصدي للمسيرات، والكيفية التي عبرت بها تلك المسيرات حتى وصولها إلى منطقة الاحتفال إضافة إلى تناقض الروايات حول توقيت الهجوم.
وفقا للمختار، فإن هنالك تناقضا بين ما ورد في بيان الجيش بأن المضادات الأرضية تصدت للمسيرات وما ظهر في مقطع فيديو منتشر على نطاق واسع يشير إلى أن صوت المسيرة بدأ يسمع من الثانية 25 في الفيديو، وبدأ يزداد ارتفاعه تدريجيا حتى ضربت المسيرة هدفها.
ويوضح محمد لموقع "سكاي نيوز عربية": "إذا افترضنا أن المسيرة انطلقت من مكان قريب أو بعيد، كيف عبرت حتى وصلت هدفها؟، خاصة وأن منطقة جبيت منطقة عسكرية وبها أكثر من دائرة أمنية تحيط بها، ودائرة جبلية، وأجهزة تشويش ثابتة وأخرى مصاحبة للبرهان، علاوة على رفع الاستعداد لأقصى درجة نسبة لأهمية المناسبة".
أما الملاحظة الثالثة فتتعلق بـ"توقيت الهجوم حيث أشار بيان الجيش إلى أن الهجوم وقع عقب انتهاء حفل التخريج، بينما يظهر الفيديو الهجوم أثناء التخريج".
الرسالة والتوقيت
يربط الإعلامي والمحلل السياسي ماهر أبو الجوخ بين الهجوم والتوقيت الذي وقع فيه، كما يرى أن الجهة التي نفذته - بغض النظر عن هويتها - تريد إيصال رسالة للبرهان مفادها "أننا نستطيع الوصول إليك".
ويقول أبو الجوخ لموقع "سكاي نيوز عربية": "دلالة التوقيت ترتبط بأمر جوهري وهو الدعوة لمباحثات جنيف التي قدمتها الولايات المتحدة الأميركية، ومن الواضح أن الدعم السريع إذا كان هو الجهة المنفذة للحادث يريد الضغط على البرهان لإجباره للذهاب للمفاوضات أما إذا كانت الجهة المنفذة هي من داخل معسكر تنظيم الإخوان فإن الرسالة مفادها إما إنهاء الصراع معه باغتياله وإخراجه من المشهد وبالتالي الدفع بوجه متوافق معهم أو في الحد الأدنى تهديده".
ويرى أبو الجوخ أن هنالك أكثر من جهة، لديها مصلحة في تغييب البرهان عن المشهد بهذا السيناريو.
ويوضح: "بإمكان الدعم السريع على سبيل المثال، توظيف غياب البرهان في إضعاف الروح المعنوية للجيش وزيادة وتعميق شقة الخلافات الداخلية وإظهار ضعف وفشل الجيش في حماية قائده في قلب معقلهم في جبيت، خصوصا في ظل التصدعات الداخلية الكبيرة بالمعسكر الداعم للجيش حتى وسط كبار القادة وهو ما يجعل عملية انتقال القيادة أمر عسير في ظل هذا الواقع وقد يترتب عليه تفكيك وانقسام الجيش نفسه".
ويكمل أبو الجوخ: "أما بالنسبة للمجموعات المختلفة مع البرهان ولديها صراعات معه فمن الواضح أن مصلحتها تكمن في أمرين إما إجبار البرهان على التوافق معها في موقفها بعد هذه الحادثة أو التخلص منه وبالتالي تنصيب شخص بديل متوافق معها".
لكن المحلل السياسي ينبه إلى خطورة تجاهل التفاعلات الداخلية الذاتية الناتجة عن الصراع، موضحا "تغييب البرهان بمثل هذا السيناريو ستكون نتيجته زيادة حدة الصراع وربما يقود لانقسام أفقي أو رأسي داخل الجيش بسبب صراع الولاءات".
ولا تستبعد الكاتبة الصحفية رشا عوض فرضية رغبة تنظيم الإخوان في التخلص من البرهان، لكنها تشير إلى ضرورة فهم تلك الرغبة في سياقها الصحيح.
وتوضح لموقع "سكاي نيوز عربية": "الداعمين لاستمرار الحرب يرغبون في التخلص من البرهان، لكن تلك الرغبة لا تنطلق مما يحاول التنظيم الترويج له بأن سببها هو فشل البرهان في إدارة الحرب والتسبب في الهزائم التي تعرض لها الجيش خلال الفترة الأخيرة، إنما تغذيها الرغبة في استبداله بشخصية عسكرية أكثر ولاء لهم".