وصلت التوترات بين أنقرة وتل أبيب إلى ذروتها مع تلويح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بالتدخل ضد إسرائيل، على خطى ما قامت به بلاده تجاه دعم "قرة باغ" وليبيا، وسط حرب كلامية" بين الجانبين على خلفية الحرب في غزة.
وقد أثار ذلك تساؤلات بشأن توقيت وتداعيات وطبيعة مسار تلك التصريحات التركية الأكثر حدة منذ اندلاع الحرب في غزة.
وأكد خبراء لـ"سكاي نيوز عربية"، أن حديث أردوغان قد يفتح احتمالات "تمويل" بالسلاح للفصائل الفلسطينية، على غرار ما قامت به أنقرة من دعم مسلح لقرة باغ وليبيا، غير أنهم يشيرون إلى صعوبة ترجمة ذلك على أرض الواقع.
ويعتبرون أن توقيت إطلاق تصريحات أردوغان، مرتبط بـ"حرب كلامية" مع تل أبيب انطلقت منذ أسبوع، في محاولات تركية لدفع المجتمع الدولي لممارسة ضغوط لوقف الحرب بغزة، من جانب وتحقيق مكاسب داخلية لإعادة شعبية حزب العدالة والتنمية التركي من جهة أخرى.
حرب كلامية
وأكد أردوغان، الذي لم يسبق له أن لوح بتدخل مباشر في الصراع الدائر في الشرق الأوسط، في لقاء مع حزبه "العدالة والتنمية"، على ضرورة تعزيز بلاده قوتها "من أجل ردع إسرائيل عن ممارساتها ضد الفلسطينيين، مضيفا: "كما دخلنا في قرة باغ وليبيا، يمكننا فعل الشيء نفسه مع (هؤلاء)"، في إشارة إلى إسرائيل.
وقد أشعل التلويح التركي بالتدخل ضد إسرائيل، "حربا كلامية" جديدة بين تل أبيب وأنقرة، في ظل توتر العلاقات بينهما على خلفية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المستمرة منذ 10 أشهر، حيث عقب وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، قائلا عبر حسابه على منصة "إكس"، الأحد، إن "أردوغان يسير على خطى صدام حسين ويهدد بمهاجمة إسرائيل، وعليه تذكر ما حدث هناك وكيف انتهى الأمر".
وحذرت تركيا، الإثنين، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من مصير الزعيم النازي أدولف هتلر، وقالت الخارجية التركية على منصة "إكس": "كما انتهت الإبادة الجماعية التي ارتكبها هتلر، كذلك سينتهي نتنياهو الذي ارتكب الإبادة الجماعية".
وقبل أسبوع، ندّدت الخارجية التركية بما وصفتها بـ"الأكاذيب والافتراءات" الإسرائيلية و"أنشطتها القذرة" على خلفية اتهامات وجهها كاتس لتركيا بـ"توفير السلاح والمال إلى حماس
وكان كاتس اتهم أردوغان في تغريدة عبر "إكس بـ"توفير أسلحة وأموال لحركة حماس لقتل الإسرائيليين"، وقال إن أجهزة أمنية إسرائيلية فككت "خلايا إرهابية" كانت تتلقى الأوامر من "مقر حماس في تركيا".
ضغوط على إسرائيل
يرى المحلل السياسي التركي، فراس رضوان أوغلو، أن تلك التصريحات تحمل "خلافا عميقا" بين أنقرة وتل أبيب، وتهدف خارجيا إلى "ممارسة ضغوط" عليها للقبول باتفاق الهدنة المتعثر من شهور بسبب عراقيل إسرائيلية.
وتفتح تصريحات أردوغان، وفق رضوان أوغلو، في حديث لـ"سكاي نيوز عربية": "احتمالات أن يكون هناك سلاح تركي في يد المقاومة ودعما لوجستيا مستقبلا، وستبقى باب التأويلات مفتوحا على مصراعيه لتفسير ذلك التلويح خاصة مع ضرب مثال بدعم قرة باغ وليبيا".
مسارات تصريحات أردوغان
ويعد المحلل السياسي التركي، طه عودة أوغلو، تلك التصريحات، بأنها عودة للتراشق بين أنقرة وتل أبيب، المتواصلة منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، ووصلت لحد تشبيه أردوغان لنتنياهو بأنه "هتلر" في أبريل الماضي.
ويرى أوغلو في حديث لـ"سكاي نيوز عربية"، أن تلك التصريحات تسير في مسارين، الأول مرتبط بتطورات داخلية يحرص الرئيس التركي فيها على تعزيز شعبية حزبه وكسب شرائح متعاطفة مع فلسطين خاصة لتلافي تراجعات للحزب في الانتخابات المحلية الأخيرة.
والمسار الثاني، بحسب أوغلو، هو رفع سقف التصريحات لحد التهديدات، ليضيف بعدا خارجيا يحاول أردوغان فيه، الضغط على حلفاء تل أبيب، خاصة الولايات المتحدة لوقف الحرب.
غير أن تلك التصريحات سيكون من الصعب ترجمتها على أرض الواقع، وفق تقديرات طه عودة أوغلو، مؤكدا أن تحقيقها "صعب جد" لتفوق إسرائيل عسكريا بدعم أميركي لاسيما بسلاح الجو، معتقدا أن دعم الفصائل الفلسطينية سيكون في "إطار المحدود".
تداعيات محدودة
من جانبه يعتقد الخبير في الشؤون التركية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، كرم سعيد، في حديث لـ"سكاي نيوز عربية"، أن توقيت تلك التصريحات مرتبط بمحاولة أردوغان، تحشيد الداخل واستمرار الحرب الكلامية لتحقيق مكاسب شعبية، بالإضافة لإيجاد موضع قدم لأنقرة للتواجد بفعالية الفترة المقبلة عبر المشاركة في الوساطة التي تقودها حاليا مصر وقطر مع الولايات المتحدة.
وتوجيه تركيا الدعم العسكري لقرة باغ وليبيا، مختلف تماما عن الفصائل الفلسطينية، وفق كرم سعيد، إذ إنهما دولتان قائمتان وطلبتا مساعدة من أنقرة التي تحركت في هذا الصدد لتحقيق مكاسب لها، أما في حالة الفصائل الفلسطينية فالأمر مختلف وصعب تحقيقه على أرض الواقع.
ولفت سعيد إلى أن تل أبيب قد تحاول الضغط أكثر على أنقرة اقتصاديا عبر مطالبات لدول أوروبية بتقليل التعاون مع تركيا، أو بطلب دعم من حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية.