بعيدا عن ميادين القتال، تخوض مجموعات متطوعة معركة حامية الوطيس لتخفيف كارثة الجوع، التي تحاصر نحو 25 مليونا من سكان السودان البالغ تعدادهم نحو 48 مليونا.
وكانت تلك المجموعات تدير أكثر من 90 مطبخا لتقديم وجبات غذائية لملايين النازحين والعالقين وسط القتال في مختلف مناطق السودان، لكن الانفجار الأخير في أسعار المواد الغذائية أوقف نحو 50 مطبخا عن العمل تماما، مما زاد من معاناة الباحثين عن وجبة واحدة في اليوم.
وقوض الانهيار المتسارع للجنيه من قدرة المجموعات الطوعية على تغطية احتياجات الوجبات اليومية، بعد ارتفاع معظم أسعار السلع والمنتجات الغذائية بنسب تراوحت ما بين 150 إلى 300 في المئة خلال الأسابيع الثلاث الأخيرة توازيا مع تزايد انهيار الجنيه، حيث يجري تداول الدولار الواحد حاليا عند 2600 جنيه، مقارنة مع 600 جنيه عند اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023.
ومع تقليص المطابخ اليومية لعدد وجباتها اليومية، تشهد مراكز توزيع الوجبات في بعض المناطق طوابير طويلة للحصول على القليل من الطعام المكون من مواد بسيطة تكفي بالكاد لسد الرمق.
وأثارت مقاطع فيديو تداولها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي وتظهر تدافعا كبيرا من السكان، مخاوف كبيرة من التدهور الغذائي المريع، الذي تعيشه معظم مناطق السودان.
وتتزايد معدلات الموت بسبب الجوع أو سوء التغذية وسط الأطفال والبالغين لتتجاوز المعايير المعتمدة لتصنيف المجاعة، في حين تشير بيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة إلى أن نحو 3.6 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد.
وأدت الحرب إلى تشريد عشرات الآلاف من المزارعين وفشل الموسم الزراعي كليا في بعض المناطق، التي يعتمد سكانها على الزراعة في تغطية احتياجاتهم الغذائية، كما توقفت سلاسل الإمداد في الأقاليم الواقعة تحت الحرب، مما أدى إلى ندرة وارتفاع كبير في أسعار السلع الغذائية الرئيسية.
ويعيش نحو 10 ملايين حاليا في مناطق النزوح، في وقت فقد فيه أكثر من 60 في المئة من السكان مصدر دخلهم بسبب توقف معظم القطاعات الإنتاجية والخدمية.
"تدهور كبير"
يشير الريح عبدالقادر، أحد مؤسسي مبادرة "بليلة" لإطعام النازحين والعالقين في مناطق القتال، إلى تدهور كبير في الموقف الغذائي في كل مناطق البلاد، ويقول لموقع "سكاي نيوز عربية": "عندما أطلقنا مبادرتنا في فبراير الماضي كنا نستهدف النازحين في مدن شرق البلاد وكان الوضع مأساويا لكن الآن وبعد نحو 6 أشهر من التنقل بين مناطق البلاد المختلفة فجعنا بما وصلت إليه الكارثة حيث تتزايد رقعة الجوع في البلاد بشكل مخيف".
ويوضح: "دشنت المبادرة خلال الأسابيع الماضية أعمالها في منطقة برام بجنوب دارفور، التي يعيش معظم سكانها حالة فقر غذائي غير مسبوقة".
وينبه عبدالقادر إلى وجود الكثير من المناطق المنسية في البلاد أو تلك التي يصعب الوصول إليها، حيث يموت العشرات هناك يوميا بسبب الأمراض وسوء التغذية وسط غياب تام للمساعدات الدولية.
ويؤكد أن العديد من المبادرات الوطنية كمبادرة بليلة وغيرها تسعى لتخفيف وطأة الجوع بين النازحين والعالقين في مناطق القتال، لكنها تواجه مصاعب كبيرة في ظل الاتساع المتسارع لرقعة الجوع وارتفاع أسعار المواد الغذائية وشحها ومحدودية التمويل إذ تعتمد تلك المبادرات على العون الذاتي والتبرعات التي يقدمها المغتربون والسودانيون في دول المهجر.
ويحذر الريح من أن يؤدي استمرار وتيرة وقوع العديد من فئات المجتمع في دائرة الجوع والعوز الغذائي إلى حدوث كارثة قد يكون من الصعب محاصرتها إذا لم يلعب المجتمع الدولي دوره في إنقاذ الضحايا والدفع نحو إيقاف الحرب.