دعا الجيش الإسرائيلي، الأحد، سكان البريج في قطاع غزة للمغادرة تمهيدا لبدء هجوم عسكري على المنطقة، في أحدث أوامره لسكان القطاع بالنزوح وهي العملية التي تكررت في مختلف المناطق وسط تساؤلات عن الهدف من استمرار هذه الأوامر للسكان المدنيين.
قبل ذلك، أصدر الجيش الإسرائيلي الأسبوع الماضي أوامر للأهالي بمغادرة عدد كبير من مناطق خان يونس الأمر الذي فاقم معاناة قرابة 400 ألف مدني فيها، كما أمر بإخلاء رفح، وهو ما قالت الأمم المتحدة إنه "أكبر أمر إخلاء من نوعه منذ أن أمر الجيش 1.1 مليون شخص بمغادرة شمالي القطاع في أكتوبر".
وكشفت تقارير أممية أن 9 من بين كل 10 أشخاص في قطاع غزة نزحوا مرة واحدة على الأقل، منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر، فيما وُصفت بأنها "دائرة لا تنتهي من الموت والتشريد".
تنكيل وتعذيب
هذه الأوامر تتواصل دون معرفة الغرض العسكري منها فالجيش الإسرائيلي يطالب الأهالي بالنزوح ثم يشن عمليات عسكرية على المنطقة المقصودة، ثم يتجه بعد ذلك للنازحين في مناطقهم الجديدة ويأمرهم بنزوح جديد، في عمليات يعتقد خبراء أن الهدف منها إطالة معاناة المدنيين والضغط النفسي عليهم والتنكيل بهم وإجبارهم على الخروج من دائرة الموت هذه عبر الهجرة من القطاع.
وزارة الداخلية الفلسطينية قالت إن الجيش الإسرائيلي كثف خلال الأيام الأخيرة من وسائل الضغط النفسي على المواطنين بمطالبتهم بإخلاء منازلهم في محافظتي غزة والشمال والتوجه نحو الجنوب، مؤكدة أنه "لا توجد مناطق آمنة في كافة القطاع".
وكان الجيش قد نشر خلال الأيام السابقة، عبر منصتي "إكس" و"فيسبوك"، خرائط توضح طرق مرور المواطنين من محافظتي غزة والشمال نحو الجنوب والذي ادعى أنها "آمنة"، وأن مرور المواطنين للجنوب لن يتضمنه تفتيش.
لكن وكالة الأناضول نقلت عن شهود عيان قولهم إن الجيش الإسرائيلي المتمركز على محور نتساريم جنوب مدينة غزة والذي يفصل شمال القطاع عن جنوبه، يعتقل ويقتل فلسطينيين أثناء مرورهم عبر الحاجز قادمين من الشمال.
وأضافت وزارة الداخلية في بيان: "يحاول الاحتلال خداع المواطنين عبر بث صور ومشاهد لنازحين يمرون عبر الحواجز، والإيهام بعدم وجود تفتيش عبرها".
وحذّرت الداخلية المواطنين من "أكاذيب الاحتلال وخداعه"، مشددة على أن الجيش "يمارس أبشع صور التعذيب والتنكيل بحق النازحين بعيدا عن عدسات الكاميرات، فضلا عن إعدام العشرات منهم وترك المصابين ينزفون حتى الموت".
ودعت الوزارة المجتمع الدولي لـ"التدخل العاجل والضغط على الاحتلال لوقف سياسة التهجير التي يمارسها منذ بداية الحرب، مستخدما التجويع في محافظتي غزة وشمال غزة كسياسة ممهنجة من أجل إجبار المواطنين على النزوح".
ظروف شديدة الصعوبة خلال النزوح
وخلال عمليات النزوح يضطر الكثير من أهالي غزة للنوم في العراء لعدم وجود خيام تؤويهم، كما لا يجد المرضى والمصابون منهم وسائل كافية للعلاج في ظل إخلاء الجيش الإسرائيلي للمستشفيات واقتحامها واستهدافها بالقصف في بعض الأحيان.
من جانبها، صرحت المتحدثة باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، لويز ووتردج، بأن سكان غزة يواجهون في الوقت الحالي "دائرة لا نهاية لها من الموت والتشريد. الكثيرون يعربون عن فقدانهم للأمل وقوة الإرادة، ويواجهون نزوحا قسريًا آخر".
أما مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة، أندريا دي دومينيكو فقد قال في 3 يوليو الماضي إن المجتمع الإنساني يقدر إجمالي عدد السكان في غزة في الوقت الراهن بنحو 2.1 مليون نسمة مع الوضع في الاعتبار مقتل أكثر من 37,000 شخص ومغادرة 110,000 للقطاع منذ أكتوبر 2023.
وأضاف: "خلف هذه الأرقام، هناك أناس (...) لديهم مخاوف وشكاوى. وربما كانت لديهم أحلام وآمال، أخشى اليوم للأسف أنها تتناقص شيئا فشيئا.. الأشخاص الذين تم نقلهم في الأشهر التسعة الماضية كانوا مثل بيادق في لعبة لوحية".
دائرة لا تنتهي
اللافت في الأمر أن الجيش وبعد أن يحدد منطقة في قطاع غزة ويطلب إخلاءها من السكان يشن عمليات عسكرية عنيفة بها ثم يتركها غير صالحة للعيش، إلا أن السكان يعودون لمناطقهم مرة أخرى بعد انتهاء العمليات، مما يجعل الجيش الإسرائيلي يعود لنفس المنطق من جديد ويطالب السكان بإخلائها ليدخلوا في دائرة لا نهائية من النزوح والإخلاء والعمليات العسكرية.
المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، قال إن المنظمة تشعر بالقلق بسبب أوامر النزوح المتكررة، وعلق: "يُترك الناس أمام خيارين مستحيلين، إما الاضطرار للانتقال على الأرجح لمرة ثانية أو ثالثة، إلى مناطق ليس بها أي مساحة أو خدمات، أو البقاء في مناطق يعلمون أنها ستشهد قتالا عنيفًا".
كما أن الجيش الإسرائيلي يقصف أماكن إيواء النازحين دون تردد، وقد كشف المتحدث باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) عدنان أبو حسنة، أن إسرائيل استهدفت مدرسة تؤوي نازحين في مخيم النصيرات بقطاع غزة، رغم إرسال إحداثياتها مسبقا منعا لتنفيذ هجمات عليها.