بعد ساعات قليلة من إطلاقها منتصف نهار السبت، اكتسبت الحملة الإعلامية التي دشنتها لجنة المعلمين السودانيين للدعوة لوقف الحرب عبر التفاوض السلمي، زخما شعبيا كاسحا.
وانضم للحملة أكثر من 40 من الأحزاب السياسية والهيئات النقابية ومنظمات المجتمع المدني، وأظهر استطلاعان منفصلان على منصات التواصل الاجتماعي اطلع عليهما موقع "سكاي نيوز عربية"، أن أكثر من 90 في المئة من المشاركين يدعمون الدفع في اتجاه الضغط للاستجابة للدعوة التي قدمتها الولايات المتحدة الأسبوع الماضي لطرفي القتال، للتفاوض في سويسرا منتصف أغسطس المقبل.
وفي حين أعلنت قوات الدعم السريع قبول الدعوة الأميركية بعد ساعات قليلة من تقديمها، لا يزال الغموض يحيط بموقف الجيش، في وقت قالت به وزارة الخارجية إنها تعكف على دراسة الدعوة.
ورغم ظهور بعض الأصوات المضادة، فإن الكثير من السودانيين يرون في المفاوضات المقترحة "فرصة أخيرة" لوقف الدمار والتدهور الكبير الذي يتعرض له السودان، بسبب الحرب المستمرة منذ منتصف أبريل 2023.
ورأى مراقبون أن رفع وتيرة الضغط الأميركي والدولي والتردي الكبير في الأوضاع الإنسانية، إضافة إلى تناقص المؤيدين لاستمرار الحرب والتغير المتسارع في الأوضاع الميدانية، جميعها عوامل ستدفع في اتجاه إنجاح المفاوضات، لكنهم أشاروا إلى 3 مخاوف أساسية لخصوها في محاولات تنظيم الإخوان الرامية لإفشال أي حل سلمي، والانقسامات الداخلية في طرفي الصراع، إضافة إلى غياب آليات الضغط مما أدى إلى عدم تنفيذ مقررات المبادرات التسع الماضية التي تم إطلاقها منذ اندلاع القتال.
دفع متزايد
أظهرت الفترة الأخيرة تزايدا كبيرا في التوجهات الداعية لإيقاف الحرب، كما بدأت العديد من الأطراف التي ظلت تعارض الحلول السلمية منذ اندلاع الحرب في تليين مواقفها تدريجيا.
ووفقا للمتخصص في مجال الإعلام الجماهيري واستطلاعات الرأي العام محمد خليفة، فإن نتائج الاستطلاعات التي أجريت في الفترة الأخيرة تشير بوضوح إلى غلبة المزاج العام الرافض للحرب، وتعطي مؤشرا قويا على الرغبة الشعبية في إنهائها بعد تداعياتها الكارثية التي لحقت بملايين السودانيين.
ويوضح خليفة لموقع "سكاي نيوز عربية": "الاستطلاعات التي تجرى إلكترونيا تتميز بقدر كبير من المصداقية والموثوقية لأنها تشمل فئات عشوائية من مختلف المجموعات العمرية والثقافية، لذلك فهي تعكس واقع المزاج الشعبي بشكل كبير".
ضغط معاكس
منذ الإعلان عن الدعوة لمفاوضات جنيف، نشطت منصات إعلامية تابعة لتنظيم الإخوان وغيرها من المجموعات الداعمة لاستمرار الحرب، في بث رسائل مناوئة للتوجه التفاوضي.
وعبرت مجموعات منسوبة للإخوان ولحركات مسلحة أخرى عن رفضها للدعوة، وواصلت تحشيدها الرامي لاستمرار الحرب.
وقالت حركة مني أركو مناوي التي تقاتل إلى جانب الجيش، إن تقديم وزارة الخارجية الأميركية الدعوات للجيش والدعم السريع فيه "تغييب" لها، باعتبارها من الأطراف الرئيسية المشاركة في الحرب، واعتبرت أن المفاوضات "لن تفضي إلى شيء في غياب أطراف موجودة في قلب المعارك".
لكن مراقبين وفاعلين سياسيين سخروا من موقف الحركة ورأوا أنه عديم الجدوى، مشيرين إلى أنه كان من المفترض أن يستند إلى شروط وضمانات مسبقة مع الجيش وحلفائه لحضور أي معادلة للحل، معتبرين أن جميع المواقف الداعمة لاستمرار الحرب والرافضة للجهود السلمية تتجاهل معاناة السودانيين.
وفي هذا السياق، يعبر القيادي في تنسيقية القوى المدنية "تقدم" شريف محمد عثمان، عن قلقه من ضياع فرصة مفاوضات سويسرا بسبب الضغوط التي تمارسها الأطراف الداعية لاستمرار الحرب.
ويحذر عثمان، في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، من "الرضوخ لأصوات الخراب والدمار من عناصر تنظيم الإخوان وأبواق الحرب وتهديداتهم"، ويوضح: "بعد تأكيد قائد الدعم السريع على قبول المشاركة في المفاوضات المزمعة، على قادة الجيش اتخاذ خطوات حقيقية لدعم خيار السلام وعدم الاستماع للأصوات الداعية لاستمرار الحرب".
لكن عثمان يرى أن الدعوة التي قدمتها واشنطن تمثل بارقة أمل وفرصة سانحة على الجميع العمل لإنجاحها.
ويضيف: "هناك فرصة تلوح في الأفق لوقف إطلاق النار وإطلاق عملية إنسانية واسعة تغيث الشعب السوداني المحاصر بالموت جوعا"، موضحا أن "أهم ما في هذه الدعوة رفع مستوى التمثيل من حيث المفاوضين والميسرين، فضلا عن إضافة أطراف أخرى مؤثره على الطرفين، وهو ما يمثل فرصة أوسع لنجاح هذه الدعوة مع تأكيد استنادها إلى ما سبق من تفاهمات في منبر جدة".
توجهات
دفع التدهور المتسارع في الأوضاع الانسانية واتساع رقعة الجوع لتشمل أكثر من 25 مليون من سكان البلاد وارتفاع أعداد الضحايا والنازحين، الدوائر الغربية لتكثيف الاهتمام بالشأن السوداني بعد فترة تجاهل استمرت شهورا، بسبب الظروف الإقليمية والدولية المحيطة.
وترى الكاتبة الصحفية صباح محمد الحسن أن العامل الذي يعزز من أهمية مفاوضات سويسرا، هو رفع درجة تمثيل الإدارة الأميركية فيها، حيث من المتوقع أن يشرف عليها وزير الخارجية أنتوني بلينكن وسفيرة واشنطن في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، إضافة إلى التسريبات التي تحدثت عن مطالبة واشنطن بتمثيل أعلى في وفدي الجيش والدعم السريع.
ومنذ اندلاع الحرب، طرحت أطراف دولية وإقليمية 9 مبادرات لحل الأزمة لكن جميعها لم ينجح حتى الآن.
وفي حين طرحت تلك المبادرات حلولا وخطوات عدة لوقف الحرب وتوصلت إلى مقررات شملت عقد لقاءات مباشرة بين قائدي الجيش والدعم السريع، فإن تلك المقررات لم يتم تنفيذها.