تتزايد المخاوف في السودان من تفاقم "فجوة التعليم" الخطيرة التي تواجه الملايين من طلاب التعليم العام والعالي، بعد ضياع عامين دراسيين كاملين بسبب الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو 16 شهرا، وسط تحذيرات من تداعيات كارثية يمكن أن تنجم عن الفتح الجزئي للمدارس في بعض المناطق الآمنة نسبيا.
ومنذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل 2023، فقد نحو 19 مليون طالب وطالبة القدرة على الوصول إلى المدارس والجامعات، وفي حين عادت الدراسة تدريجيا في بعض المناطق فإنها لا تزال متوقفة في الأماكن ذات الثقل السكاني الأكبر، مثل الخرطوم ودارفور والجزيرة، وبها أكثر من 75 بالمئة من المدارس والجامعات.
وتعرض أكثر من نصف المدارس والجامعات والمعاهد والكليات العليا المتخصصة الحكومية والأهلية في الخرطوم ومدن أخرى، لتخريب كلي أو جزئي، بسبب القصف الجوي والمدفعي المكثف.
ووصف المتحدث باسم لجنة المعلمين السودانيين سامي الباقر أوضاع التعليم بـ"المأساوي"، مشيرا إلى أن الحل يكمن في آلية دولية تلزم طرفي القتال بحماية المدنيين والابتعاد عن المدارس والمؤسسات التعليمية.
وقال الباقر لموقع "سكاي نيوز عربية": "التعليم في حالات الطوارئ والحروب يأتي ضمن البرامج التي تتبناها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى من خلال إلزام طرفي الحرب بحماية المدنيين ومن بينهم طلاب المدارس، لكن هذا الخيار يتطلب وجود طرف ثالث يضمن التزام طرفي الحرب باحترام أسس ومبادئ القانون الدولي، وفي مقدمتها الابتعاد عن المناطق المدنية والمدارس".
واعتبر الباقر استئناف الدراسة في بعض الولايات "انتهاكا لمبدأي العدالة والشمولية في العملية التعليمية، ويؤدي إلى تداعيات كارثية"، موضحا: "مع إقرارنا التام بضرورة استمرار التعليم، فإن سياسة تجزئة العملية التعليمية وحصرها على مناطق محددة يمكن أن تشكل مدخلا لتقسيم السودان".
التعليم أم الأمن؟
وتأتي قرارات فتح المدارس بمناطق دون أخرى، في ظل الظروف الأمنية المعقدة وتشتت ملايين الطلاب في معسكرات النزوح واللجوء بالداخل والخارج، لكن لجنة المعلمين قالت إن قرارات استئناف الدراسة في ظل الأوضاع الحالية "تفتقر للاحتكام للأولويات، حيث وضعت التعليم مقدما على أمن وسلامة الطلاب".
وأشارت اللجنة إلى تزامن قرارات استئناف الدراسة في بعض المناطق، مثل أم درمان إحدى مدن العاصمة الثلاث، مع ارتفاع كبير في أعداد القتلى من جراء القصف العشوائي.
وأضافت اللجنة أن "قرار الاستئناف الجزئي يتجاهل حقوق المعلمين والعاملين بالتعليم المقدر عددهم بنحو 350 ألفا"، إذ لم يتلق سوى القليل منهم مرتباتهم منذ اندلاع الحرب، كما أشارت إلى تجاهل مصير الطلاب الذين تشتتوا في المنافي وسط انقطاع مستمر في الإنترنت والاتصالات، وصعوبات أمنية كبيرة.
وفي الجانب الآخر، يثير تطاول أمد الحرب وتوقف عجلة التعليم في الكثير من مناطق البلاد مخاوف كبيرة، تتعلق بمستقبل الطلاب وأوضاعهم النفسية، حيث يتلاشى الأمل ويتزايد الإحباط.
وفي هذا السياق، يحذر استشاري الطب النفسي الأستاذ المساعد بجامعة الباحة السعودية أحمد الأبوابي، من الآثار النفسية والاجتماعية الخطيرة التي تنجم عن انقطاع الطلاب عن الدراسة.
لا أمل
ويقول الأبوابي لموقع "سكاي نيوز عربية": "الطلاب يعانون القلق والاكتئاب بسبب الظروف التي تهدد مستقبلهم وفرص تطورهم الأكاديمي والمهني".
وأوضح: "يفاقم الشعور بفقدان المستقبل وعدم وجود أمل في العودة للدراسة التحديات النفسية للطلاب، خصوصا أولئك الذين ينتمون لأسر تعاني ضيق ذات اليد وقلة الخيارات المتاحة، التي تمكنهم من إكمال الدراسة".
ورغم نجاح القليل من الأسر في إلحاق أبنائها بمدارس أو جامعات في دول مجاورة، فإنها واجهت صعوبات كبيرة سواء من حيث التكاليف أو التأقلم مع أنظمة التعليم في تلك البلدان، واضطر البعض إلى التضحية بعامين دراسيين أو أكثر والبدء من مستويات أقل من المستوى الذي وصلوا إليه قبل الحرب في جامعاتهم أو مدارسهم الأصلية في السودان.
وفي الأشهر الماضية، حاولت بعض مؤسسات التعليم فتح مقرات لها في مناطق آمنة، لكن معظم هذه المحاولات باءت بالفشل بعد اتساع رقعة القتال لتشمل نحو 70 بالمئة من مناطق البلاد، وعدم توفر البيئة التعليمية المناسبة في المناطق الآمنة القليلة المتبقية.
كما تعرضت بعض تلك المؤسسات لانتقادات شديدة بسبب فرضها رسوما إضافية باهظة، تفوق قدرة الطلاب وأسرهم في ظل الانهيار الاقتصادي الكبير الذي يعيشه السودان، وفقدان أكثر من 60 بالمئة من السكان مصادر دخلهم.