في بيان الاستقالة التي أعلنها الوزير في حكومة الحرب الإسرائيلية بيني غانتس، الأحد، وكال فيه الاتهامات لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، طالب وزير الدفاع يوآف غالانت بالتحلي بالشجاعة و"عمل ما هو صواب"، في تلميح لأمله بأن يلحق به ويقفز من سفينة حكومة الحرب.
ويرصد محللون سياسيون وأكاديميون لموقع "سكاي نيوز عربية" احتمالات استقالة غالانت، خاصة مع تقارب وجهة نظر الوزيرين بحكم خلفيتهما العسكرية والرؤية لمرحلة ما بعد حرب غزة، والمخاطر التي قد يتعرض لها حال استقالته، أو ما يمكن أن يمنعه من هذه الخطوة الآن.
والأحد، أعلن غانتس انسحابه من الحكومة، احتجاجا على سياسات نتنياهو بشأن الحرب، قائلا إنه سينضم لصفوف المعارضة، وداعيا إلى إجراء انتخابات مبكرة.
وأضاف في بيان الاستقالة مخاطبا غالانت: "إننا نعرف بعضنا البعض منذ سنوات عديدة، حتى عندما كانت هناك توترات بيننا كنت أحترمك وأقدرك دائما. في هذه الحرب تعلمت أن أقدرك أكثر. أنت قائد شجاع وحازم. القيادة والشجاعة لا تعنيان قول ما هو صواب فحسب، بل فعل ما هو صواب".
مواقف غالانت المعارضة
أبدى وزير الدفاع مواقف وُصفت بـ"الجريئة" في معارضته لبعض سياسات نتنياهو بشأن الحرب المستمرة منذ 7 أكتوبر، منها:
- في مارس الماضي، نقلت هيئة البث الإسرائيلية "مكان" أن غالانت اقترح تولي رئيس استخبارات السلطة الفلسطينية ماجد فرج إدارة غزة مؤقتا بعد الحرب.
- في مايو، قال غالانت في كلمة تلفزيونية إنه يعارض أن تتولى إسرائيل حكم غزة، مشددا على أن يحكم القطاع فلسطينيون غير منتمين لحركة حماس، وهو ما تم تفسيره على أنه يقصد قيادات من السلطة الفلسطينية.
- رد نتنياهو على حديث غالانت بأنه لن يقبل "استبدال حماسستان بفتحستان"، في إشارة لحركتي حماس وفتح.
- أبدى غانتس تأييده لموقف غالانت، معتبرا أنه "قال الحقيقة".
في المقابل، شن وزراء في حزب الليكود هجوما شديدا على غالانت، منهم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الذي كتب على منصة "إكس" أن وزير الدفاع "فشل في 7 أكتوبر، وما زال يفشل حتى الآن"، وأنه "يجب تغيير وزير الدفاع هذا لتحقيق أهداف الحرب".
كما تحدث وزير الاتصالات شلومو كرع، عما وصفها بتحذيرات صدرت على مدار سنوات من "عقيدة غالانت وأصدقائه العسكرية الخاطئة".
"كل شيء وارد"
العضو السابق في الكنيست الإسرائيلي يوسي يونا، يعلق على ما سبق، قائلا: "لا أعتقد أن استقالة غانتس قد تؤدي لاستقالة غالانت، لكن في السياسة كل شيء وارد، وربما تجري اتفاقيات بينهما بحيث ينضم غالانت لحزب الاتحاد الوطني بزعامة غانتس ويصبح أحد قادته".
كما يشير يونا إلى ما اعتبرها جرأة من غالانت في معارضة نتنياهو فيما يخص خطط ما بعد حرب غزة "رغم علمه بمخاطر الأمر"، فـ"في الماضي أقدم بعض الوزراء في الليكود على تحدي نتنياهو، وانتهى بهم الأمر في طي النسيان لأنه بارع في تدمير خصومه سياسيا بشكل كامل".
انتحار سياسي
في السياق ذاته، يستبعد أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية عضو اللجنة المركزية لحزب العمل الإسرائيلي مئير مصري، استقالة غالانت الآن، لثلاثة أسباب، قائلا:
- بحكم معرفتي بالرجل، أعلم أنه يضع مصلحة إسرائيل فوق كل اعتبار، وإسرائيل تواجه حربا وجودية، وأعتقد أن أغلب القيادات السياسية والعسكرية مهمومة بالدفاع عن إسرائيل في هذا الظرف الدقيق.
- هو محسوب على حزب الليكود، فإذا انسحب الآن سيعد هذا بمثابة انتحار سياسي له.
- هو عارض هذه الخطوة سابقا، فلو أقدم عليها اليوم سيظهر بشخصية ضعيفة تابعة لغانتس.
وفي تقدير مصري، فإن استقالة غانتس "لن تؤدي إلى إسقاط الحكومة وإنما لإضعاف إسرائيل، فغانتس يحاول جرها إلى انتخابات مبكرة، ولا أعتقد أن الظرف الأمني والسياسي ملائم للدخول في معمعة انتخابية قد لا تنبثق عنها حكومة مستقرة، ونحن في حالة حرب".
طريق سد مع واشنطن
من خارج إسرائيل، يقول مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق لشؤون الشرق الأوسط مايك ملروي، إنه حتى لو وصل الأمر إلى استقالة غالانت فذلك لن يؤثر كثيرا على حكومة نتنياهو، لامتلاك اليمين المتطرف الأغلبية في الكنيست، ما لم يجد جديد.
أما الباحث في مركز الشرق الأوسط للسياسات في واشنطن ماركو مسعد، فيرى أن استقالة غانتس "تجعل كل الاحتمالات مطروحة، بما فيها استقالة وزير الدفاع، وسيؤدي هذا إلى زيادة جنوح نتنياهو نحو اليمين المتطرف حيث لم يعد له أي شركاء من الوسط، داعمين له".
وينبه مسعد إلى بُعد آخر في استقالة غانتس، هو تأثيرها على التواصل بين الأميركيين والإسرائيليين، قائلا إن استقالته لم تلق رضا في واشنطن التي كانت تعتمد عليه في النقاش، حيث كان يُنظر إليه على أنه أكثر اعتدالا من نتنياهو.
و"ستكون المفاوضات مع الإسرائيليين أكثر صعوبة، وقد تصل الأمور بين واشنطن وتل أبيب إلى طريق مسدود، وتنهار مفاوضات الهدنة التي طرحها الرئيس الأميركي جو بايدن"، وفق مسعد.