كان اعتراف إسبانيا وأيرلندا والنرويج بالدولة الفلسطينية مؤشرا على تغير نظرة الدول الأوروبية تجاه إسرائيل، التي قد تخسر الرهان على القارة نتيجة للانتقادات المتزايدة للعملية العسكرية التي تنفذها في قطاع غزة.
وبحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، فإن مركز الثقل السياسي الأوروبي بات يبتعد عن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث عرضت حكومات أوروبية دعما لا لبس فيه للمحكمة الجنائية الدولية هذا الأسبوع، بعد أن طلبت إصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، إلى جانب قادة من حركة حماس.
وقال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان، في مؤتمر صحفي: "شهدنا بالتأكيد مجموعة متزايدة من الأصوات، بما في ذلك الأصوات التي كانت في السابق تدعم إسرائيل، تنجرف في اتجاه آخر".
وأضاف: "هذا يثير قلقنا، لأننا لا نعتقد أن ذلك يساهم في أمن إسرائيل وحيويتها على المدى الطويل".
وقد حافظ الاتحاد الأوروبي ككتلة على اتفاقياته التجارية وغيرها مع إسرائيل، رغم الدعوات المتزايدة لقطعها أو الحد منها بشكل جذري.
انتقادات أوروبية
وتواجه الدول الأوروبية ضغوطا دولية وداخلية متزايدة لحملها على اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه تعامل إسرائيل مع الأراضي الفلسطينية، خاصة الحرب المدمرة في غزة.
وكان الاتحاد الأوروبي، قبل الحرب، يقترب أكثر من إسرائيل، بما في ذلك من خلال شراكات مهمة ماليا وسياسيا في التجارة والعلوم، لكن الحرب والطريقة التي تطورت بها وتدهور الوضع الإنساني في غزة وطريقة معالجة تل أبيب للأمر سحب الكثير من التعاطف معها.
ويعد اعترف دول أعضاء بالاتحاد الأوروبي مثل أيرلندا وإسبانيا والنرويج، بالدولة الفلسطينية، توبيخا حادا لإسرائيل، حتى لو كان تأثير الخطوة ضئيلا على الأرض.
وكانت هناك تحذيرات ومخاوف من أوروبا وأجزاء أخرى من العالم، بشأن الحملة المدمرة التي تشنها إسرائيل ضد قطاع غزة، ويتجه الاهتمام بشكل خاص إلى بلجيكا، وهي دولة أخرى مؤيدة بشدة للفلسطينيين في الاتحاد الأوروبي، وكانت قد كثفت انتقاداتها لتعامل إسرائيل مع الحرب، فضلا عن السويد التي لها مواقف معروفة مؤيدة لفلسطين.
وحسب "نيويورك تايمز"، فإن اعتراف المزيد من الدول في التكتل بالدولة الفلسطينية قد يجعل الاتحاد الأوروبي ثقلا موازنا رئيسيا للموقف الأميركي، الذي يرى أن تلك الدولة لا ينبغي أن تنتج إلا عن طريق تسوية عن طريق التفاوض مع إسرائيل، وهو ما من شأنه أن يعمق الصدع بين أوروبا وإسرائيل.
وبدأت الدول الأوروبية منتقدة لهجوم حركة حماس الذي وقع في 7 أكتوبر، وأكدت على دعم "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" مع استمرار الأمل في حل الدولتين، ودعت إسرائيل إلى ضبط النفس أثناء قصفها وإغلاقها واجتياحها لقطاع غزة، ثم جاءت انتقادات حادة ومباشرة للحملة الإسرائيلية التي أسفرت عن مقتل أكثر من 35 ألف شخص معظمهم من المدنيين، إضافة لإجبار معظم سكان غزة على الفرار من منازلهم، والتسبب في نقص الغذاء والماء والدواء، وتسوية العديد من مباني القطاع بالأرض.
مواقف متباينة
لكن دولا مثل المجر والتشيك والنمسا لا تزال تقف إلى جانب إسرائيل، وعندما طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية يوم الإثنين إصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، قالت معظم الدول الأوروبية إنها تحترم استقلال المحكمة لكن لم تصل إلى حد اتخاذ موقف علني بشأن هذه الخطوة.
وهنا انبرى رئيس الوزراء التشيكي بيتر فيالا وكتب على وسائل التواصل الاجتماعي إن السعي لاعتقال "ممثلي حكومة منتخبة ديمقراطيا مع قادة منظمة إرهابية أمر مروع وغير مقبول على الإطلاق"، بينما وصف رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان ذلك بأنه "سخيف ومخز".
في المقابل قالت وزيرة الخارجية البلجيكية الحاجة لحبيب: "يجب محاكمة الجرائم المرتكبة في غزة على أعلى مستوى، بغض النظر عن مرتكبيها".
وذكرت وزارة الخارجية الفرنسية، ثاني أكبر دولة في الكتلة، أن"باريس تدعم المحكمة الجنائية الدولية واستقلالها ومكافحة الإفلات من العقاب في جميع الحالات".
وفي تطور للموقف الفرنسي قال وزير خارجيتها ستيفان سيجورنيه الأربعاء، إن الاعتراف بالدولة الفلسطينية "ليس من المحرمات" بالنسبة لفرنسا، لكن اللحظة المناسبة لم تحن بعد، مضيفا في بيان "هذا القرار يجب أن يكون مفيدا".
ورغم أن باريس امتنعت حتى الآن عن التصرف بمفردها، فقد صوتت الشهر الماضي لصالح قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالاعتراف بفلسطين كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، بينما امتنعت بريطانيا، التي لم تعد عضوا في الاتحاد الأوروبي لكنها لا تزال تتمتع بنفوذ، عن التصويت.
وسوف يلعب تطور الموقف الألماني دورا مهما في تحديد اتجاه الاتحاد الأوروبي بشأن العلاقات مع إسرائيل، لأن برلين أكبر عضو في الكتلة، وقد أعربت منذ فترة طويلة عن التزام صارم تجاه إسرائيل نتيجة لتاريخها النازي، لكنها الآن تنتقد بشكل أكثر صراحة الطريقة التي تدير بها إسرائيل الحرب، ودعت إلى وقف فوري لإطلاق النار، معارضة لإسرائيل والولايات المتحدة.
وفي مؤتمر صحفي في برلين، لم تشر المتحدثة باسم وزارة الخارجية الألمانية كاترين ديشاور، إلى أي تغيير في موقف بلادها عندما سئلت عن اعتراف إسبانيا وإيرلندا والنرويج بدولة فلسطين.
وقالت: "إن إقامة دولة فلسطين المستقلة يظل هدفا ثابتا للسياسة الخارجية الألمانية"، وأضافت أنها "مسألة ملحة، لكنها يجب أن تأتي في نهاية عملية الحوار".