في الوقت الذي اتجهت الأنظار الدولية والإقليمية صوب العملية العسكرية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي على مدينة رفح جنوب قطاع غزة خوفا من تداعياتها الإنسانية الواسعة، كثّفت القوات الإسرائيلية من ضرباتها على مخيم جباليا شمال القطاع، في عمليات وصفت بالأعنف منذ شهور.
واستعرض محللون وخبراء عسكريون في حديثهم لموقع "سكاي نيوز عربية"، أسباب ودلالات تكثيف القصف الإسرائيلي على مخيم جباليا، وأهداف تل أبيب من تلك الخطوة في هذا التوقيت، موضحين أن الجيش الإسرائيلي يسعى لزيادة الضغط على حركة حماس لتقديم تنازلات حال وجود مفاوضات مقبلة.
ماذا يجري؟
- قال الجيش الإسرائيلي إنه استهدف 70 هدفًا خلال يوم الجمعة وحده وسط استمرار القتال في أنحاء متفرقة داخل القطاع، مع دخول الحرب يومها الـ 225 على التوالي.
- في المقابل، أشار شهود عيان إن القوات استخدمت جرافات لهدم بيوت سكنية ومتاجر، كما اندلعت معارك بالأسلحة النارية مع عناصر الفصائل الفلسطينية المتبقية بالمنطقة منذ آخر قتال بينهما قبل أسابيع عدّة.
- يُنظر إلى مخيم جباليا باعتباره أكبر مخيم للاجئين في غزة، كما أنه واحد من أكثر مناطق شمال القطاع التي لم ينزح أغلب سكانها إلى الجنوب على غرار مناطق أخرى مجاورة.
ما الهدف؟
من القاهرة، قال الخبير العسكري والاستراتيجي العميد سمير راغب في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن إسرائيل ترغب من وراء تكثيف قصفها وعملياتها على مخيم جباليا في تحقيق 3 أهداف رئيسية تتمثل في:
أولا: القضاء على ما تبقى من فصائل فلسطينية في جباليا ومناطق الشمال، لكن هذا من الصعب حدوثه.
ثانيا: رفع مستوى العمليات العسكرية، من القتال منخفض الحدة التي يجري تنفيذه منذ حوالي ثلاثة أشهر إلى عمليات مرتفعة الحدة.
ثالثاً: ممارسة مزيد من الضغوط على حركة حماس لتقديم تنازلات في المرحلة المقبلة، وكذلك البحث عن أسراهم إذ من الوارد أن يتواجد عدد منهم في تلك المنطقة.
وبشأن التركيز على جباليا على الرغم من الرغبة الإسرائيلية في اقتحام مدينة رفح بأقصى الجنوب، أوضح راغب أن الجيش الإسرائيلي أدخل الفرقة 98 للقتال في جباليا، إضافة لتل الزعتر وتل الهوى وبيت حانون، فأصبحت على محور منفصل من العمليات عما يحدث في محور نتساريم وكذلك رفح.
وقال: "القوات الموجودة في جباليا ليس لها علاقة بمدينة رفح التي تتعامل فيها الفرقة 162 واللواء 89 بقوات مختلفة".
ومع ذلك، فإن القصف المكثف في جباليا يُنذر بتفاقم الأوضاع الإنسانية في الشمال، باعتباره واحد من أكثر المناطق التي بها عدد سكان لم ينزحوا إلى الجنوب وفق الخبير العسكري، الذي اعتبر أن ذلك للضغط على حماس "لكن إسرائيل تضغط بذلك على المدنيين"، بحسب تعبيره.
ومن بيروت، يرى الخبير العسكري والاستراتيجي ناجي ملاعب، في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية":
- الهدف المباشر للعمليات العسكرية بمخيم جباليا بالنسبة لإسرائيل يتمثل في "إشغال الفصائل الفلسطينية عن رفح بفتح جبهات جديدة بعيدة عنها.
- عندما بدأت هذه العمليات كانت بـ"استطلاع بالنار" لدراسة مدى قدرات الفصائل في شمالي القطاع بعد أن أنهت إسرائيل عملياتها العسكرية هناك سابقا، لكن الجيش الإسرائيلي اضطر لإرسال قوات جديدة وتوسيع أكبر للعمليات بقوات النخبة نتيجة وجود قوي للمقاومة الفلسطينية.
- وزير الدفاع الإسرائيلي قال قبل ذلك إن المقاومة ضعفت كثيرا ولم يعد لديها ذخائرها، لكن الوقائع تثبت غير ذلك على أرض الواقع، خاصة مع الخسائر التي تكبدها الجيش الإسرائيلي بمقتل ما لا يقل عن 20 جنديًا واستهداف ما يزيد عن 60 آلية وتعطلها.
قاعدة لمقاتلي حماس
ومن لوكسمبورغ، أشار الباحث المتخصص في الشؤون الجيوسياسية والدفاعية، حمزة العطار، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، مخيم جباليا هو أحد قواعد حركة حماس وجناحها العسكري، وفي السابق حاولت إسرائيل دخوله، لكنها فشلت في أكثر من جولة من الاجتياحات البرية في تحقيق أي نصر يذكر في "معسكر جباليا" كما يسميه الغزيون.
وبيّن أن عودة إسرائيل للهجوم على المخيم "هي محاولة للسيطرة على شيء رمزي للقسام وما يعكسه ذلك على بقية الكتائب، وأيضا محاولة لقتل أكبر عدد ممكن من مقاتلي القسام لتهيئة القطاع للترتيبات الأمنية لليوم التالي للحرب".
ومع ذلك يواجه الجيش الإسرائيلي مشكلة تكتيكية كبيرة في مخيم جباليا في نظر "العطار"، مرجعا ذلك إلى أنه "إن أقدم على القصف قبل اجتياح القوات البرية لأحياء المخيم، فهذا الدمار يقتل الكثير من المدنيين ويوفر لمقاتلي حماس أكوامًا من الأسمنت المسلح التي لا يمكن للقوات البرية الإسرائيلية اكتشافها".
وأضاف: "وفي حالة العدول عن القصف المكثف، سيتم تعريض القوات البرية لمفاجآت المنازل المهجورة المفخخة والقتال في مساحات ضيقة جدا من المخيم، كان آخر أمثلتها الكمين قبل 4 أيام على القوات الإسرائيلية من مسافة أقل من 20 مترا".
وشدد على أن القصف الإسرائيلي المكثف يهدف لدفع مقاتلي حماس للوراء، وخلق منطقة عازلة لحين تقدم القوات الإسرائيلية البرية وفي مقدمتها الجرافات المصفحة، وهذا ما لم تنجح فيه إسرائيل حتى اللحظة، إذ أن مقاتلي الحركة لا يزالون قادرين على شن هجمات من مسافات صفرية ضد القوات الإسرائيلية.