منذ عام 2019، يشهد حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) الذراع السياسي لجماعة "الإخوان" في موريتانيا، انسحابات متتالية شملت بعض قياداته، الذين قرروا الارتماء في أحضان النظام.
وبدأت الانشقاقات تعصف بالحزب الذي يتولى حاليا مؤسسة زعامة المعارضة الديمقراطية، إثر دفعه بمرشح من خارجه لرئاسيات 2019، سيدي محمد ولد بوبكر.
واستمرت الانشقاقات داخل الحزب الذي لم يستفق من أزمة انسحابات 2019، حتى أواخر العام المنصرم 2023.
وأسس المغاضبون بعد انسحابهم، تيارات سياسية أعلنت دعمها للرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، وقررت الانضواء تحت لواء الأغلبية.
عجز عن الترشح للرئاسيات
بعد ما يزيد عن شهرين، ستنظم الانتخابات الرئاسية في موريتانيا، حسب ما قررت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات.
وأعلن حتى الآن 6 مرشحين دخولهم في السباق الرئاسي، بينهم برلمانيان من صفوف المعارضة، بيرام الداه عبيد للمرة الثالثة، والعيد ولد محمدن للمرة الأولى.
وفي آخر اجتماع لها بخصوص الانتخابات أواخر فبراير الماضي، أعلنت مؤسسة المعارضة الديمقراطية بقيادة الإخوان، مواصلة حوارهم الداخلي للحسم في الخيار بين تعدد المرشحين أو تقديم مرشح موحد إذا توفرت شروط الشفافية المطلوبة.
ويأتي ذلك، وسط حديث كبير عن عجز "الإخوان"، عن تقديم مرشح للرئاسيات، بسبب التصدع الذي أنهك الحزب، بعدما خارت قواه من الانسحابات.
الإعلامي محفوظ ولد الجيلاني، يرجع عجز الإخوان عن تقديم مرشح للانتخابات، "إلى التصدع الكبير الذي يعيشه هذا الحزب منذ فترة بسبب الاستقالات التي طالت الكثير من قيادات الصف الأول والثاني، وإلى تراجع تأثير الحزب في الأوساط السياسية والشعبية بسبب تخلي الحزب عن خطابه الحاد تجاه النظام.. لاسيما أن الحزب انسحب من الميدان ولم يعد صاحب المبادرة".
ويضيف في تصريحه لموقع "سكاي نيوز عربية": "ربط البعض تراجع الإخوان مع تراجع تأثيرهم وإفلاس تجاربهم في المغرب وتونس وليبيا فهذه التجارب طالما شكلت مصدر إلهام لتنظيم الإخوان في موريتانيا"، مشيرا إلى أنه لا يعتقد "أن الإخوان قادرون على التقدم بمرشح مستقل تحت يافطتهم لأنهم يدركون أن الظرف غير مناسب لهم".
وعن الانسحابات التي يشهدها الحزب، أرجع ولد الجيلاني ذلك "إلى خلافات داخلية وأطماع شخصية من بعض القيادات في جني مكاسب ومنافع من النظام الحالي الذي لا يناصبهم العداء ولا يمارس ضدهم أي نوع من الضغوط على أنشطتهم الجمعوية والسياسية.."
انتقادات لاذعة لمؤسسة المعارضة
بسبب التهدئة السياسية التي انتهجها النظام الحالي بموريتانيا مع الأحزاب المعارضة، يرى معظم المهتمين بالشأن السياسي، أن الخطاب المعارض في موريتانيا، تراجع بشكل كبير، كما فقد تأثيره ومصداقيته لدى المواطنين.
ولأن تيار جماعة الإخوان يقود حاليا مؤسسة المعارضة الديمقراطية بعد تمثيله في البرلمان من طرف 11نائبا من أصل 176 نائبا، فقد لفظت المعارضة الموريتانية آخر أنفاسها، حسب المحلل السياسي اعل الشيخ محمد فاضل.
ويوضح ولد محمد فاضل، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه بعد تولي الإخوان لمؤسسة المعارضة، بدأت "العلاقة مع النظام تتغير ملامحها، حيث لم يعد الحديث عن قضايا المواطنين والأسعار والفساد في أولويات المعارضة"، مشيرا إلى أنها انشغلت "بالقضايا الإقليمية والدولية، والمفاهيم المتعلقة بالأيديولوجيا".
وأضاف أن الأحزاب السياسية كانت تقوم على فكرة الخطابات لإقناع المواطنين، لكن قواعد "اللعبة السياسية تغيرت في موريتانيا بعد ظهور الإخوان، الذين يستهدفون الأتباع عبر المدارس والتكوينات والجمعيات".
ولفت إلى أن "تواصل"، بدأ مؤخرا بالقيام بتسويات مع السلطة، حتى وصل إلى "مرحلة التمازج الفعلية مع السلطة".
وخلص إلى أن دخول "حزب معارض ذي مرجعية دينية إلى المعارضة، أدى إلى اختلال في البنية المعارضة القيمة التي كانت تتحدث أساسا عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية للبلد".
هل تخدم المعارضة أجندة خارجية؟
من جهته، يقول الإعلامي عبد الله ولد علي، إنه "منذ تولي جماعة الإخوان قيادة مؤسسة المعارضة الديمقراطية، بدأت المعارضة الموريتانية تنسلخ من ثوبها المعهود"، وأصبحت تخدم "أجندة خارجية"، ووضعت "صوت المواطن على الهامش، تصدح به عند اقتراب الانتخابات فقط"، مشيرا إلى أن أولوياتها القضايا الخارجية، مبتعدة عن هموم المواطن الذي يعيش أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة في تاريخ البلد، أدت إلى هجرة آلاف الشباب خارجا".
ويضيف ولد علي في تصريحه لموقع "سكاي نيوز عربية" أن قربها من النظام "تسبب في إقصاء الأحزاب المعارضة التقليدية من الواجهة"، ما جعل "المواطن الموريتاني، يفقد ثقته في أي خطاب سياسي للمعارضة".
هذا ويرى أغلب المهتمين بالشأن السياسي، أن إخوان موريتانيا قد يتوجهون إلى دعم مرشح مستقل خلال السباق الرئاسي المقبل، للمحافظة على حضورهم السياسي، رغم ما قد يسببه ذلك من خلافات داخلية وانشقاقات مثلما حدث خلال رئاسيات 2019.
وأكد محللون سياسيون، أن حزب الإخوان (تواصل)، على وشك أن تنتهي صلاحيته السياسية، بعد الانسحابات الأخيرة، التي أثرت بشكل كبير على التيار لدى المواطنين والنخب، بعد تخلي أبرز قياداته عن مشروعه المجتمعي والتحاقهم بالنظام.