بعد مرور 6 أشهر على الحرب في غزة، تشير غالبية التقديرات إلى فشل حركة حماس في تحقيق أي أهداف لها، بينما يئن قطاع غزة تحت وطأة كارثة إنسانية يعاني الغالبية العظمى من سكانه مخاطر الجوع والدمار والمرض، بينما يقف قيادات الحركة عاجزين عن تقديم أي حلول.
ويرى مراقبون تحدثوا لـ"سكاي نيوز عربية"، أن الحركة تتحمل المسؤولية إلى جانب إسرائيل عن انهيار الأوضاع داخل القطاع، وتعجز في الوقت الراهن عن تقديم أي حلول للأزمة الكارثية.
وتقول حماس إنها نفذت هجومها في السابع من أكتوبر على مستوطنات غلاف غزة، استباقا لخطة إسرائيلية لاجتياح القطاع وتصفية القضية الفلسطينية، ثم قالت إنها أرادت "تحريك القضية الفلسطينية" التي سقطت من الحسابات الدولية وأصبحت رهينة الممارسات الإسرائيلية.
وفي اكثر من مناسبة، أوضح مسؤولون في الحركة أنهم تفاجئوا بنتائج هذا الهجوم والرد الإسرائيلي عليه.
هل هزمت حماس؟
بينما تصل إسرائيل للسيطرة على ما يتجاوز 70 في المئة من القطاع، يرجح مراقبون نهاية حكم الحركة داخل القطاع، مع بلوغ الأزمة الإنسانية مرحلة كارثية.
تشير تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية إلى أن أكثر من 18 كتيبة من أصل 24 كتيبة تابعة لحماس قد تم تفكيكها كقوات منظمة وتحولت إلى خلايا حرب عصابات أصغر.
ويُعتقد أن ما يقرب من نصف مقاتلي الجماعة البالغ عددهم 40 ألفا قد قتلوا أو أصيبوا.
وقال مسؤولون عسكريون إسرائيليون إن الجزء الأكبر من كتائب حماس المتبقية انسحبت إلى مدينة رفح الجنوبية ومخيمي اللاجئين النصيرات ودير البلح في وسط غزة.
وفي الوقت نفسه، يعاني المدنيون في غزة من كارثة إنسانية متفاقمة.
ويرى مراقبون أن حماس كان لديها "افتراض خاطئ" بأن رد إسرائيل على 7 أكتوبر سيؤدي إلى انتفاضات شعبية ضد الدولة اليهودية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، الأمر الذي لم يتحقق.
يقول رئيس مركز الأفق للدراسات في رام الله، إبراهيم دلالشة لـ"سكاي نيوز عربية"، إن حماس قد ورطت شعب غزة في كارثة إنسانية، ولا تملك تقديم حلول بعد أن فقدت سيطرتها على قطاع غزة بشكل شبه كامل.
صراع من أجل البقاء "فقط"
ويرى دلالشة أن حماس تحاول في الوقت الراهن تعزيز بقاءها السياسي داخل القطاع، أو ما تبقى منه في ضوء سيطرة الجيش الاسرائيلي عسكريا عليه، وتفشل حتى اللحظة في دفع المفاوضات الراهنة لتحقيق هدف البقاء، في ضوء إصرار حكومة نتنياهو على القضاء على حكم الحركة بشكل كامل.
ويقتصر هدف حماس في الوقت الراهن على ضمان البقاء كحركة، وتصر عاى تحقيق وقف دائم لإطلاق النار في ضوء محاولة إعادة ترتيب الأوراق.
ووفقا لصحيفة فايننشال تايمز، فقد انخرط مسؤولو حماس في محادثات للسماح للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بإعادة تأكيد سيطرتها على غزة من خلال "لجنة قيادة مخصصة" أو حكومة تكنوقراط تم تشكيلها حديثا.
حسابات خاطئة؟
ترى الخبيرة الأميركية المختصة بالشؤون السياسية والأمنية إيرينا تسوكرمان أن حماس قد أساءت التقدير وفشلت في تحقيق أي أهداف، وتقول لـ"سكاي نيوز عربية":
- راهنت حماس على قضيتين مختلفتين كجزء من استراتيجيتها: أولاً، توقعت أن تقوم المنظمات الإقليمية الأخرى المدعومة من إيران مثل حزب الله بدور مساوٍ أو أكبر في الحرب مما فعلت (بعد سرقة خطط 7 أكتوبر من حزب الله)، والثانية بشأن الضغوط التي يمارسها المجتمع الدولي.
- لم تكن حماس تتوقع بالضرورة أن تنتصر على الأرض بمفردها بسبب التفاوت الواضح – على الرغم من التحسينات واللوجستيات – بين قدراتها العسكرية وقدرات الجيش الإسرائيلي.
- مع ذلك، فقد كانت تتوقع أن يجر حزب الله إسرائيل إلى حرب شاملة في وقت أبكر بكثير مما كانت تحدث في العملية، وبالتالي التلاعب بإسرائيل لتقسيم قواتها واهتمامها على جبهتين رئيسيتين، في حين يتم تفجيرها أيضًا من قبل الميليشيات الصغيرة والوكلاء في العراق،وسوريا واليمن.
- كان حزب الله أكثر قلقًا بشأن التداعيات الاستراتيجية للحرب على مستقبله، ودخل الحرب بحذر أكبر بكثير، حيث زاد مستوى الهجمات بمرور الوقت وليس منذ البداية، مما أعطى الجيش الإسرائيلي الوقت لتحقيق تقدم قتالي غير مفاجئ داخل غزة وإعادة توزيع القوات بطريقة تجعل من الممكن الرد على جبهتين دون وقوع أضرار جسيمة.
- حتى الآن، يمارس حزب الله ضبط النفس نسبياً، حيث يطلق عدداً محدوداً فقط من الصواريخ على إسرائيل، وهو ما لا يكفي لإرهاق دفاعاته.
- على النقيض من ذلك، تبين أن الحوثيين أكثر فعالية ومشاركة كما كان متوقعا، ولكن حتى الآن كان معظم غضبهم موجها نحو الشحن الدولي بخلاف إسرائيل، التي اختارت سفنها بسرعة اتباع طريق مختلف. وعلى الرغم من أن الحوثيين تمكنوا أخيراً من اختراق نظام الدفاع الصاروخي وإسقاط صاروخ في إيلات، إلا أن ذلك لا يزال غير كاف لإحداث ضرر.
النتيجة
بحسب تسوكرمان، تكبدت حماس خسائر أكبر بكثير مما توقعت، واستمرت الحرب لصالح إسرائيل عسكرياً دون انحراف كبير عن أي قوى أخرى.
وتمكن الإسرائيليون من تعطيل هجمات مماثلة خططت لها خلايا مختلفة في الضفة الغربية.
وفشلت خطة فتح جبهة أخرى وإحداث مستوى مماثل من الضرر من هذا الاتجاه فشلت بالكامل، وتركت حماس لتتدبر أمرها بنفسها.
ومن التطورات الأخرى غير المتوقعة بالنسبة لحماس هو الإغلاق الجزئي للأونروا، وخاصة قطع التمويل الأمريكي الذي يبدو أنه أفاد حماس بشكل مباشر أكثر بكثير، لذا فإن بعض التخفيض في التمويل كان له تأثير كبير على الإيرادات.
أزمة القرار المتفرد
من جهته يرى الصحفي والباحث المصري المتخصص في الشؤون العربية أحمد جمعة أن تفرد قيادة حركة حماس العسكرية بالقرار الخاص بهذه العملية أربك حسابات الفصائل الفلسطينية التي لم تتوقع أن تمتد الحرب الإسرائيلية لستة أشهر ولا تزال مستمرة في كافة مناطق القطاع
واعتبر أن ذلك وضع قيادة حماس السياسية في حرج كبير لعدم قدراتها على اجبار الجانب الإسرائيلي بوقف الحرب على غزة رغم امتلاكها أقوى ورقة في المعادلة وهي ورقة "الأسرى الإسرائيليين" بسبب تمسك حكومة بنيامين نتنياهو باستمرار العمليات العسكرية على عدة جبهات سواء الجنوبية مع غزة أو الشمالية مع لبنان ومحاولة التصدي لهجمات الحوثيين في منطقة البحر الأحمر.
تفرد حماس بقرار التحرك العسكري بعيدا عن الفصائل الفلسطينية الأخرى وتمسكها بشروطها في العملية التفاوضية أحدث نوع من الغضب بين صفوف باقي الفصائل التي كانت ترى ضرورة أن يكون هذا القرار بالتشاور وليس بشكل فردي من قيادة القسام، وهو ما كان سببا في التوتر بين فتح وحماس وكذلك حالة الغضب المكبوت داخل قيادة الجهاد الإسلامي التي استنزفت قدراتها العسكرية بشكل كبير في حرب مايو 2023 وكذلك الحرب الأخيرة المستمرة حتى اللحظة.
فقدت حماس السيطرة بشكل كبير على زمام الأمور في قطاع غزة وبات ذلك واضحا في محدودية العمليات التي ينفذها مقاتلي القسام وكذلك ندرة الصواريخ التي تطلق على المستوطنات الإسرائيلية، مع دفع فاتورة باهظة تتمثل في دماء المدنيين حيث استشهد 32 ألف شخص وأًصيب 74 ألف آخرين، في واحد من أطول الحروب التي خاضتها إسرائيل خلال العقود الماضية ضد فصائل مسلحة.
إنقاذ ما يمكن إنقاذه؟
- بحسب جمعة، تحاول حماس بشكل جدي التعاطي بإيجابية مع المفاوضات التي تجري في الوقت الحالي لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في القطاع بعد تدميره بشكل كامل وغموض المستقبل السياسي للحركة التي ترفض تهميشها في أي عملية سياسية مستقبلية حول القضية الفلسطينية.
- قطاع غزة يواجه المجهول حاليا في ظل مخططات غربية تسعى لتهجير الفلسطينيين من أرضهم وهو ما ترفضه الدول العربية وفي مقدمتهم مصر التي حذرت من أي خطوات تستهدف تهجير الفلبسطينيين من غزة أو الضفة الغربية، فضلا عن حالة الرفض التام لأي عملية عسكرية إسرائيلية في رفح الفلسطينية.
- الجانب الفلسطيني يحتاج إلى توحيد صفوفه في أقرب وقت ممكن ووقف الحروب الإعلامية والكلامية والاتفاق على رؤية وطنية فلسطينية مشتركة للخروج من المأزق الحالي والتصدي لأي محاولات تهدف لتصفية القضية الفلسطينية وإجهاض حل الدولتين.