في خضم موجة البرد القارس التي تجتاح قطاع غزة، تُبادر السيدة أحلام المخللاتي بنسج الصوف وحياكة القبعات وملابس للأطفال النازحين، لتُدفّئ أجسادهم الصغيرة وتُخفّف من وطأة الشتاء عليهم في الخيام وأماكن النزوح في مدينة رفح الفلسطينية.
وتعيش أحلام، وهي نازحة من مدينة غزة، في رفح جنوبي القطاع، وأم لخمسة أطفال، وتعاني ظروفا معيشية صعبة، لكن ذلك لم يمنعها من مساعدة الآخرين.
وباتت مدينة رفح الآن الملجأ الرئيسي للنازحين، حيث يتكدّس فيها نحو 1.4 مليون شخص، أكثرهم جاء إليها من شمال ووسط القطاع، في أعقاب تكثيف الهجمات الإسرائيلية على المدن هناك.
إلا أن إسرائيل تهدّد في هذه الأيام باجتياح رفح، بحجة أنه توجد بها 4 كتائب تابعة لحركة حماس تريد تدميرها، كما أعلن ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في 9 فبراير الجاري، لكن هذا التهديد لم يقوض عمل "أحلام" التي تُحبّ نسج الصوف منذ صغرها، وتُتقن صنع مختلف أنواع الملابس.
صانعة السعادة
تقول الفلسطينية البالغة 55 عاما لموقع "سكاي نيوز عربية": "لا أستطيع أن أرى الأطفال يعانون البرد دون أن أفعل شيئا لمساعدتهم، الاحتلال يهدد اليوم باجتياح رفح، وهذه الملابس التي أصنعها سوف تقيهم من البرد القارس في رحلة النزوح الجديدة".
وتُضيف: "أشعُر بالسعادة عندما أرى الأطفال يرتدون الملابس التي أحيكها لهم ويشعرون بالدفء، ما أفعله هو رسالة للعالم بأن يستشعروا حجم الخطر والمعاناة التي يعيشها أطفال فلسطين".
وقبيل اندلاع الحرب في 7 أكتوبر الماضي، كان ثُلث أطفال غزة بحاجة بالفعل إلى الدعم في مجال الصدمة المتصلة بالنزاع، أما الآن فقد ازدادت كثيرا حاجة الأطفال إلى خدمات الصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي.
وتشير إحصاءات وزارة الصحة في غزة إلى أن عدد مَن قُتلوا من الأطفال بلغ منذ بداية الهجوم الإسرائيلي في 7 أكتوبر حتى 11 فبراير الجاري، نحو 11500 من بين أكثر من 28 ألف قتيل.
ألوان زاهية
تصنع أحلام القبعات والملابس من الصوف، وتستخدم ألوانا زاهية تُسعدُ الأطفال وتقوم بتوزيعها على النازحين مجانا.
وتتلقّى السيدة الفلسطينية الدعم من أهالي الحي الذي تعيش فيه؛ حيث يتم تزويدها بالصوف وبعض الأدوات المساعدة لإنتاج أكبر قدر من الملابس.
وعندما بدأت إسرائيل حربها على حركة حماس في غزة، فرّ عشرات الآلاف من منازلهم بملابسهم الصيفية والقليل من المتعلقات الشخصية، قبل أن يحل فصل الشتاء تدريجيا ويفاقم من معاناتهم وسط درجات حرارة متدنية، خصوصا داخل الخيام المتواضعة.
وتُعاني الأسواق في رفح، التي باتت تُعرف باسم "مدينة خيام"، نقصا شديدا في البضائع والاحتياجات اليومية، ومنها ما يخص الملابس والأغطية، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير.
وعن ذلك، تقول أحلام بينما كانت تغزل قبعة من الصوف: "الناس هنا يعانون بشكل كبير.. كثير من الأطفال لا يملكون ملابس بديلة وذووهم لا يستطيعون شراء ملابس لهم".
وتشير السيد الفلسطينية إلى أن ما تفعله يأتي ضمن مبادرات التكافل الاجتماعي، "فمثلما أنا وجدت أسرة عندما نزحت وفّرت لي مسكنا في رفح، الآن أعمل على صنع الملابس للأطفال لحمايتهم من البرد القارس".
وتوعّد نتنياهو، مساء الأربعاء، بعملية "قوية" في رفح بعد السماح للسكان المدنيين بمغادرة المدينة.
وقال، في رسالة بالعبرية على حسابه الرسمي بتطبيق "تلغرام": "سنقاتل حتى النصر الكامل، وهو ما يتضمّن تحرّكا قويا في رفح، وذلك بعد السماح للسكان المدنيين بمغادرة مناطق القتال".