استبقت الحكومة الفلسطينية، الزيارة المقررة لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إلى المنطقة بداية من الأحد وحتى الخميس، بطرح تفاصيل خطتها ضمن برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية، حيث أثار ذلك تساؤلات ذلك بشأن ارتباطه بالضغوط الأميركية نحو إجراء تغييرات وإصلاحات في هياكل ومؤسسات السلطة الفلسطينية، ومدى كونه تمهيدًا لتولي السلطة الفلسطينية حكم قطاع غزة في مرحلة ما بعد الحرب الراهنة.
وللمرة الخامسة، يعود بلينكن إلى الشرق الأوسط في جولة إقليمية تشمل "إسرائيل والضفة الغربية والسعودية ومصر وقطر"، بالتزامن مع المفاوضات بين إسرائيل وحركة حماس للاتفاق على صفقة لوقف القتال في غزة، وتبادل للأسرى.
ويعتقد مراقبون ومحللون سياسيون في حديثهم لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن محاور برنامج الإصلاح الذي كشفت عنه الحكومة الفلسطينية يأتي استجابة لمطالب واشنطن الحثيثة خلال الفترة الماضية، والتي عبّر عنها صراحة وزير الخارجية الأميركي خلال لقاؤه الرئيس الفلسطيني محمود عباس الشهر الماضي، بضرورة إجراء إصلاحات في الحكم.
ووفق المحللون، فإن الرغبة الأميركية إزاء هذه الإصلاحات تستهدف حشد الدعم لتنفيذ الخطط المتعلقة بمرحلة ما بعد الحرب بين إسرائيل وحماس، وأن تكون هناك خطوات ملموسة لإقامة دولة فلسطينية، رغم اعتراضات تل أبيب.
وقبل أيام وصف رئيس الوزراء الفلسطيني، الخطة بأنها تستهدف "إنعاش السلطة"، معتبرًا أن البرنامج يضمن "هيبة فلسطين وصورتها أمام العالم، ولكي لا يكون الحديث عنه شماعة لفشل المجتمع الدولي في الوصول إلى إنهاء الاحتلال".
تفاصيل الخطة الفلسطينية
حددت الحكومة الفلسطينية تفاصيل برنامجها الإصلاحي في عدد من النقاط، على رأسها:
- التطوير يطال المنظومة القضائية والأمنية والإدارية والمالية، إذ يرتكز البرنامج على تعزيز منظومة القضاء وإجراء تغييرات هيكلية فيه، وتنفيذ القانون ومعالجة مدة التقاضي في المحاكم.
- استكمال عمل النظام الإداري الفلسطيني، حيث يقوم الرئيس الفلسطيني بتعيين محافظين وسفراء جدد.
- إجراء تغييرات جوهرية في وزارة الصحة وخاصة القضايا المتعلقة بتوفير تأمين صحي لجميع المواطنين، ومعالجة الديون المترتبة على جهات عديدة ومتعلقة بفواتير المياه والكهرباء المستحقة، والتي تخصمها إسرائيل من المقاصة.
- إقرار قانون الخدمة المدنية، وضريبة القيمة المضافة، والعمل على خفض فاتورة الرواتب عن طريق توظيف شخص واحد بدل شخصين متقاعدين، وعدم التجديد لمن يبلغ سن التقاعد.
- إعادة هيكلة قوى الأمن، وتطوير وصفها الوظيفي وحوكمة مرجعيتها ومرجعية هيئات الأمن حسب القانون، وتعديل نظام التعيين في قوى الأمن بما يشمل المنتسبين الجدد.
- توسيع نطاق مشاركة مؤسسات المجتمع المدني من خلال بعض القوانين لضمان تطوير العلاقة مع المجتمع المدني، وفتح المنافسة أمام وسائل الإعلام، وإقرار حرية الوصول إلى المعلومات، عبر إقرار استكمال مجموعة من القوانين ذات العلاقة بالتنسيق مع نقابة الصحفيين.
- إجراء الانتخابات العامة فور توفر الظروف لذلك، بما يشمل القدس بما يتيح لجميع شرائح المجتمع السياسية والأهلية والمدنية المشاركة فيها.
تجديد مطلوب
وقال نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق لشؤون الشرق الأوسط، مايك ملروي، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، إنه من المهم للغاية أن تتمتع السلطة الفلسطينية بـ"سلطة الشعب الفلسطيني"، خاصة أن كثيرين لا يعتقدون أن السلطة الحالية تحقق ذلك.
وأضاف "ملروي" الذي سبق أن عمل في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه): "أعتقد أن هذا هو السبب في مواصلة دعوة وزير الخارجية بلينكن لضرورة وجود سلطة فلسطينية متجددة ونشطة".
وشدد على ضرورة توضيح الإصلاحات اللازمة على السلطة الفلسطينية وتنفيذها على وجه السرعة، لضمان بسط سيطرتها على كافة المناطق الفلسطينية، بما في ذلك قطاع غزة.
ترتيب البيت الفلسطيني
بدوره، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس والقيادي بحركة فتح، أيمن الرقب، في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن هناك حاجة لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، لكن الأمر لا يتعلق فقط بإصلاحات يقوم على تنفيذها رئيس الوزراء الفلسطيني، بل الحاجة أولًا إلى حوار "فلسطيني-فلسطيني" وتشكيل حكومة تكنوقراط تضع رؤية عاملة، وتقوم بعد ذلك بتنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية.
لكن "الرقب" اعتبر الإعلان عن برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية في هذا التوقيت بأنه "رضوخ للرغبة الأميركية"، مضيفًا: "يجب أن نبادر لترتيب بيتنا الفلسطيني من خلال مصلحتنا بتشكيل حكومة تكنوقراط توافق عليها كافة الفصائل وتأخذ على عاتقها الاستعداد لمرحلة ما بعد الحرب بالإشراف على غزة وترتيب الأوضاع والإشراف على كافة الملفات المختلفة في حالتنا الفلسطينية".
وأكد الحاجة لرؤية شاملة تتفق عليها كل الفصائل الفلسطينية، ومن الأفضل تشكيل حكومة تكنوقراط تأخذ على عاتقها الإصلاح الشامل في السلطة الفلسطينية "حتى لا يُفرض علينا ذلك".
ووفق وكالة رويترز، شهدت الأسابيع الماضية توالي الزيارات من مسؤولين أميركيين كبار للضفة الغربية للقاء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، على أمل أن يتمكن من إدخال ما يكفي من تعديلات على سلطته بما يجعلها مؤهلة لإدارة غزة بعد الصراع الدائر هناك بين إسرائيل وحركة حماس، حيث التقاه مستشار بايدن للأمن القومي جيك سوليفان ثم وزير الخارجية أنتوني بلينكن في فترات متقاربة.
وعاد الرقب للقول: "إن كان هذا يأتي في سياق إعادة ترتيب البيت الفلسطيني فهو أمر مُرحب به ويجب أن نفكر في تشكيل حكومة توافق عليها كافة الفصائل تتعامل مع الملفات المختلفة بمهنية بعيدًا عن الأيديولوجيات السياسية، ثم تُشرف على الانتخابات التشريعية والرئاسية، فمن حق الفلسطينيين أن تكون هناك انتخابات بعد 19 عامًا من تعطيل العملية الديمقراطية".
رسالة بشأن الحرب
بدوره، اعتبر مدير منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والمحلل السياسي الفلسطيني، عبد المُهدي مطاوع، في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن برنامج الإصلاح الذي كشفت عنه الحكومة الفلسطينية "رسالة بأن هذا الأمر لن يكون عائقاً في إنهاء الحرب وخلق مسار سياسي لإقامة الدولة الفلسطينية"، لكنه شدد في ذات الوقت أن تلك الإصلاحات "لا تتعلق بأي تنازلات سياسية".
وبشأن مدى تلبية تلك الإصلاحات للمطالب الأميركية، قال مطاوع إن "كل طرف يتحدث عن الإصلاحات من وجهة نظره، فبالنسبة لنا كفلسطينيين فالإصلاحات تتمثل في الأداء الأفضل للسلطة والمعايير الدولية، أما الإصلاحات من وجهة نظر أميركية وإسرائيلية تتمثل في تغيير بمفهوم السلطة الفلسطينية وأعتقد أن هذا غير موافق عليه".
وأضاف: "ومع ذلك، فلن يكون أي إجراء إداري أو مالي عائقاً في خلق مسار سياسي ووقف الحرب، وبالتالي فإن إزالة كل الحجج الإسرائيلية والأميركية سيكون له الأولوية".
وأشار مطاوع إلى أن برنامج الحكومة الفلسطينية هو تسريع إنتاج كل ما يتعلق بتفعيل ببرنامج الإصلاح، حيث كانت هناك مرحلة سابقة منه، ومن ثم سيتم تفعيل القوانين في كل المجالات وضبط ذلك بشكل أكبر، إضافة إلى الأخذ بملاحظات بعض الجهات الرقابية وهذا أمر مهم للجهاز الإداري الفلسطيني بشكل عام.