فرضت الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، إجراءات غير مألوفة بالنسبة إلى الفلسطينيين في دفن ضحايا الحرب الذين يقترب عددهم من 27 ألفا، حسب إحصائيات وزارة الصحة التابعة لحركة حماس في غزة.
مِن بين تلك الإجراءات دفن القتلى في الحدائق والساحات العامة وساحات المستشفيات أو بين ركام المنازل، بعد تعذّر وصول بعضهم للمقابر، على أمل نقلهم بعد انتهاء الحرب إلى مقابر العائلة.
ويروي عدد من أهالي الضحايا ومسؤول بوزارة الصحة لموقع "سكاي نيوز عربية" تجاربهم مع هذه الإجراءات الاضطرارية، وماذا تفعل قوات الجيش الإسرائيلي لتصعيب الوصول إلى القتلى ودفنهم.
الدفن في باحة المستشفى
بدموع تغالب كلماتها، تقول منال العرعير، في الخمسينيات من عمرها، إنها "اضطرّت لدفن ابنها محمد في إحدى باحات مستشفى الشفاء غرب مدينة غزة، بعد أن قتله الجيش الإسرائيلي خلال اجتياحه للمدينة مطلع نوفمبر الماضي".
وتُضيف العرعير أن "ابنها أُصيب ومكث في المستشفى عدة أيام، وبعد أن فارق الحياة كان من المستحيل نقله لموقع المقبرة في شرق مدينة غزة"، حيث كان الجيش الإسرائيلي يطبّق حصاره على المستشفى من عدة اتجاهات قبل أن يقتحمه منتصف نوفمبر.
أما زوجها الذي قُتِل في قصف قبل 20 يوما مِن مقتل ابنها، تمّ دفنه في مقبرة شرق مدينة غزة، حيث لم يكُن الجيش الإسرائيلي قد تقدّم لاجتياح المدينة، وأصبح دفنه مع ابنه خيارا غير متاح للعائلة الآن.
دفن بلا وداع
بدورها، تقول هدى بارود إن زوجها، الذي قتله الجيش الإسرائيلي خلال اجتياحه لمدينة غزة، بعد أقل من شهرين على زفافهما، دفنته إدارة مستشفى الشفاء في ساحة قريبة منه، دون أن تتمكّن حتى من وداعه.
وحيث كانت تجلس بجوار قبر زوجها، ذكرت أن المسؤولين أخبروها أنه يمكن نقله إلى المقبرة بعد انتهاء الحرب، مضيفة: "رحيله بالنسبة إليها كان صدمة كبيرة، إذ كان محبوبا بين أقاربه وأصدقائه".
أزمة مفقودين
يُرجع المتحدّث باسم وزارة الصحة التابعة لحركة حماس في غزة أشرف القدرة صعوبات دفن بعض القتلى إلى الحصار الإسرائيلي للمستشفيات، وتعمّد استهداف الطواقم الطبية؛ ما يعطّل مهام انتشال الجثث من الشوارع والأحياء السكنية.
ولهذا يضيف القدرة: "ظلّت جثث العشرات ملقاة في الطرقات لأيام بعد منع الجيش الإسرائيلي وصول طواقم الإسعاف والدفاع المدني إليهم؛ ما دفع الأهالي لدفن الضحايا في الطرقات وأماكن أخرى غير مخصّصة للدفن".
كما اضطرت الطواقم الطبية، كما يقول المسؤول الفلسطيني، أن تدفن أكثر من 150 من ضحايا القصف في باحات مستشفى ناصر، ويوجد عشرات القتلى ما زالوا مجهولي الهوية، حيث لم يتمكّن ذويهم من الوصول للمستشفى للتعرف عليهم.
مشكلة أخرى يخلقها تعثّر وصول سيارات الإسعاف والسلطات إلى بعض الضحايا، وهو عدم تسجيلهم في قوائم الضحايا المعلَن عنها؛ ما يعني أنّ عدد القتلى أكبر بكثيرٍ مِن المعلن، بجانب أنه ستظهر أزمة "مفقودين"، وهم الذين قُتِلوا ودُفنوا من غير عِلم ذويهم، أو اختطف الجيش الإسرائيلي جثامينهم أو بقوا تحت الأنقاض وتحلّلت جثثهم، وفق القدرة.
وفي مدينة خان يونس، حيث يُنفّذ الجيش الإسرائيلي أوسع عمليّاته البرية منذ اجتياح قطاع غزة، اتهمته وزارة الصحة في القطاع بتشديد حصار مجمع ناصر الطبي الرئيسي في المدينة، ومستشفى الأمل.