بفرح شديد استقبلت سمية صالح الطالبة في السنة النهائية قرار فتح جامعتها، أكتوبر الماضي، في مدينة ود مدني وسط السودان، وحزمت حقائبها عائدة الى البلاد في رحلة شاقة من إحدى دول الجوار التي لجأت إليها مع أسرتها فرارا من الحرب.
لكن فرحة سمية تبددت بعد أسبوع فقط من عودتها، إذ أغلقت الجامعة مرة أخرى على إثر انتقال الحرب إلى مدينتها الجدبدة واضطرت للفرار إلى مدينة سنار المجاورة.
ومع استمرار القتال واتساع رقعته في السودان وتعليق الدراسة لقرابة العام حتى الآن يتلاشى الأمل لدى نحو 19 مليون طالب في المدارس والجامعات السودانية وسط إحباط ومخاوف كبيرة حيال مستقبل أولئك الطلاب الذين كان بعضهم على وشك التخرج.
وتقول سمية لموقع "سكاي نيوز عربية": "أعيش أوضاعا نفسية سيئة فقد تبددت لدي كل الآمال بعد رحلة شاقة مليئة بالمخاطر وترك أسرتي في بلد آخر من أجل إكمال الأشهر القليلة المتبقية على تخرجي".
صعوبات كبيرة
مع طول أمد الحرب نجحت القليل من الأسر في إلحاق أبنائها في جامعات أو مدارس دول مجاورة، لكنها واجهت صعوبات كبيرة سواء من حيث التكاليف أو التأقلم مع أنظمة التعليم في تلك البلدان، واضطر البعض إلى التضحية بعامين دراسيين أو أكثر والبدء من مستويات أقل من المستوى الذي وصلوا إليه قبل الحرب في جامعاتهم أو مدارسهم الاصلية في السودان.
وفي الجانب الآخر يعاني الملايين من الطلاب الذين لم يتمكتوا من عبور الحدود من حالة عدم الاستقرار الأمني والنزوح من مدينة إلى أخرى واضطر بعضهم إلى ممارسة أعمال هامشية لمساعدة أسرهم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي نجمت عن الحرب.
مأساة متزايدة
في الواقع زادات الحرب من مأساة الطلاب السودانيين الذين عانوا خلال السنوات الماضية من كثرة الإغلاقات.
وحاولت بعض الجامعات خلال الأشهر الماضية فتح مقرات لها في مناطق آمنة؛ لكن محاولاتها باءت بالفشل بعد اتساع رقعة القتال في أكثر من 70 بالمئة من مناطق البلاد وعدم توفر البيئة التعليمية المناسبة في المناطق الآمنة القليلة المتبقية.
وتتزايد المخاوف أكثر من عدم قدرة عدد كبير من الجامعات على استئناف الدراسة في المدى القريب؛ حتى إذا توقفت الحرب الحالية؛ إذ تعرضت معظم المباني والمنشآت والسجلات الأكاديمية ومغتنيات المكتبات والمعامل لدمار كبير كما اضطر معظم الأساتذة للهجرة والعمل في بلدان اخرى.
خيارات صعبة
في ظل فقدان الكثير من الجامعات السودانية القدرة على الوصول إلى الملفات والسجلات الأكاديمية.
ووفقا لحازم محمد الذي كان على وشك إكمال دراسته في كلية الطب فقد عجز بعد فراره من السودان بالالتحاق بأي جامعة في الخارج بسبب عدم قدرته على استخراج سجله الأكاديمي من جامعته الأم؛ فاضطر لاستخراج سجل شهادة الثانوية التي دخل بها الجامعة قبل 4 سنوات والبدء من السنة الأولى مضحيا بسنوات الدراسة الأربع التي قضاها في جامعته السودانية.
ويوضح محمد لموقع "سكاي نيوز عربية": "كنت أمام خيارين لا ثالث لهما إما انتظار المجهول أو البدء من الصفر؛ وقررت الانخراط في الخيار الأخير نظرا لعدم وجود مؤشرات لوقف الحرب وعودة الجامعات للعمل بشكل منتظم خلال الفترة القريبة".
معضلة التمويل
من المتوقع أن يستغرق إصلاح الدمار الذي لحق بالعديد من الجامعات إلى فترة طويلة بعد انتهاء الحرب؛ نظرا لقلة الموارد لدى معظم الجامعات خصوصا الحكومية منها.
ويرى محمد عثمان وهو إداري في إحدى الجامعات أن عملية إعادة فتح الجامعات ستكون عملية معقدة وصعبة للغاية بسبب الخراب الكبير الذي لحق بالمنشآت وفقدان العديد من الكوادر العاملة.
ويضيف عثمان لموقع "سكاي نيوز عربية": "موارد معظم الجامعات كانت بالكاد تكفي لعمليات التسيير قبل الحرب ومن المؤكد أن تلك الموارد لن تكفي لإعادة بناء أو تاهيل المباني والمكتبات والمعامل المتضررة وهي عملية أساسية".
ويشير عثمان إلى أن الجامعات ستواجه صعوبات كبيرة في الحصول على التمويل اللازم لإعادة التاهيل في ظل الظروف الحالية التي يواجهها القطاع المصرفي وفي ظل ضعف موارد الدولة وستضطر بالتالي لتحميل الطلاب تلك الأعباء من خلال فرض رسوم جديدة أو زيادة الرسوم السابقة وهو أمر أيضا سيلقي بتبعات كبيرة على أسر الطلاب التي فقد معظمها مصادر دخله بسبب الحرب.