يستند إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في رفضه إقامة دولة فلسطينية، إلى دوافع عقائدية وتاريخية قديمة، بجانب أسباب سياسية وانتخابية وشخصية، وفق ما يُوضّح خبيران داخل إسرائيل.
ويربط نائب برلماني ومسؤول محلي سابق في إسرائيل، خلال حديثهما لموقع "سكاي نيوز عربية"، بين هذا الواقع والأسباب التي ترسم سياسة نتنياهو، وبين ما يرونه تمدّدا للفكر الصهيوني والتلمودي في المجتمع الإسرائيلي خلال السنوات الأخيرة.
ورفْضُ حل الدولتين مبدأ مُترسّخ في مسيرة نتنياهو، سواء حين كان زعيما للمعارضة أو خلال تولّيه منصب رئيس الوزراء، وظهر ذلك في موقفه من اتفاق "أوسلو" للسلام مع الفلسطينيين عام 1993.
تفاخُر برفض حل الدولتين
وجاء في تقريرٍ لصحيفة "نيويورك تايمز"، الإثنين، أنّ نتنياهو ضاعَف مُعارضته لوجود حكومة مُؤقّتة، تُشرف عليها السلطة الفلسطينية، وتؤدي لدولة فلسطينية في نهاية المطاف، وذلك في مواجهة ما يتلقّاه من ضغوط أميركية وبريطانية وألمانية تؤيّد حل الدولتين.
وتُضيف الصحيفة أن نتنياهو، وبعد ساعات فقط من اعتراف الجيش بقتل 3 محتجزين إسرائيليين في غزة (قال إنه بطريق الخطأ)، بدا كأنّه يريد تشتيت الانتباه، وهو يتفاخَر بأنّه منع إنشاء دولة فلسطينية في الماضي، وسيُواصل ذلك.
وقال نتنياهو، في مؤتمر صحفي مساء السبت: "أنا فخور، لأنني منعت إنشاء دولة فلسطينية؛ لأن الجميع اليوم يفهمون ما كان يمكن أن تكون عليه تلك الدولة الفلسطينية"، وإنه "الآن بعد أن رأينا الدولة الفلسطينية الصغيرة في غزة، يفهم الجميع ما كان سيحدث لو استسلمنا للضغوط الدولية وقمنا بتمكين دولة كهذه" في الضفة الغربية.
دافع تلمودي وتاريخي
الجانب الديني حاضر في دوافع نتنياهو لرفض الدولة الفلسطينية، وفي ذلك يقول سهيل دياب، نائب رئيس بلدية الناصرة السابق (داخل إسرائيل)، إنه حين أحضر رئيس الوزراء الراحل، إسحق رابين، أوراق اتفاق أوسلو إلى الكنيست لإقراره، في سبتمبر 1993، تصدّى له زعيم المعارضة آنذاك، بنيامين نتنياهو، متحدّثا عن "الجذور التاريخية والتلمودية للشعب اليهودي مع مناطق الضفة الغربية والقدس وبيت لحم والخليل"، مؤكدا أنّ أهميّة هذه المناطق لليهود تفوق تل أبيب وحيفا وبئر السبع.
وحينها، اتهم نتنياهو كل من "يتنازل" عن القدس والضفة بالخيانة، وأنه "لن نغفر له مدى العمر"، ورغم أن الاتفاق تمّ تمريره بأغلبية، لكن أقوال نتنياهو تمّت ترجمتها لاحقا باغتيال رابين 1995 على يد أحد غلاة اليمين التلمودي، ثمّ تولّى نتنياهو رئاسة الحكومة لأول مرة عام 1996، وفق دياب.
دافع سياسي وشخصي
هناك سببٌ آخر، كما يُوضِّح دياب، القيادي في الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، قائلا: "السبب الآخر سياسي انتخابي شخصي؛ فمنذ 2018 حتى الانتخابات الأخيرة لم ينجح خلال 5 جولات انتخابية في كسب الأغلبية، ولم يبقَ أمامه سوى الهروب للأمام عبر التيار اليميني؛ لأنّ الأمر الأساسي الذي يمكن أن يجمع به جمهور العلمانيين اليميني والجمهور التلمودي هو العداء لحق الفلسطينيين في تقرير المصير".
يُساعد نتنياهو على تمسُّكه بموقفه وإعلانه أنّ "المجتمع الإسرائيلي بدأ يتغيّر تغييرا بنويا عميقا، فلم يعد هو الذي كان وقت إقامة إسرائيل 1948"، بتعبير سهيل دياب.
كيف يتغيّر المجتمع الإسرائيلي؟
يُجيب المسؤول المحلي السابق في الناصرة، بأن المجتمع الإسرائيلي لم يعد مُنقسما بين صهيونيين ليبراليين وعلمانيين، مقابل متدينين تلموديين غير صهيونيين، لكن يتغيّر من ناحيتين:
الأولى: تديّن متدحرج للعلمانيين والليبراليين.
والأخرى: صهينة المتدينين اللاهوتيين.
بناءً على هذا، أصبحت المواقف اليمينية المتطرّفة مندمجة بعمق مع اليمين اللاهوتي والتلمودي؛ ما يسمح بـ"تجييش شعور الاستكبار، وتوسيع الاستيطان في الضفة من عشرات آلاف المستوطنين بعد أوسلو إلى 750 ألفا اليوم".
ويختتم دياب بأنّ كل ذلك تجلّى بعد "صدمة" هجوم 7 أكتوبر ونتنياهو يعلن: "لا لدولة فلسطينية، لا للتعامُل مع السلطة الفلسطينية، ولا لدولة حماستان أو دولة فتحستان".
البحث عن الشعبية
النائب المعارض في الكنيست الإسرائيلي، عوفر كسيف، اتهم نتنياهو، بتعمّد إطالة أمد الحرب في قطاع غزة "تشبثا بالكرسي"؛ وتجنّبا لسقوط الحكومة عقب الحرب.
ويعتبر كسيف أن نتنياهو، بتجديده رفض حل الدولتين، يبحث عن زيادة شعبيته داخل أوساط "اليمين المتطرّف والمستوطنين"، وأن الحكومة في عهده "تُفضّل مدنيين مقصوفين ومدفونين تحت الأنقاض، بدلا من نهاية الحرب"، مؤكدا أن "التخلّي عن المختطفين والجرحى وكبار السن والنساء والأطفال لتأخير نهاية الحكومة، جريمة لا تُغتفر".
ويُحمِّل كثيرون في داخل إسرائيل نتنياهو مسؤولية نجاح حركة حماس في شنّ هجوم مفاجئ على المستوطنات الإسرائيلية في 7 أكتوبر الماضي، أسفر عن مقتل 1200 إسرائيلي وجرح الآلاف، في حصيلة هي الأولى في هجوم بري واحد داخل إسرائيل منذ نشأتها.