خرجت الحاجة آمنة سعيد مع ابنتيها وأحفادها الستة وأزواجهم، متجهين مع آلاف السكان نحو جنوب مدينة ود مدني صباح الجمعة، وهم يحملون القليل من المتاع الذي أتوا به من الخرطوم بعد اندلاع القتال هناك بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل.
وأصيب سكان المدينة التي تسمى "عاصمة النزوح" بالذعر خلال الساعات الماضية مع سماع دوي إطلاق نار عنيف، وتصاعد أعمدة الدخان في الجزء الشرقي لود مدني، بعد هجوم نفذته قوات الدعم السريع من جهتين، مستخدمين نحو 400 سيارة عسكرية بحسب معلومات أولية.
وفيما أعلنت قوات الدعم السريع عبر صفحات إعلامية تابعة لها سيطرتها على جسر حنتوب الذي يربط معظم مدن شرق السودان بوسط البلاد والعاصمة الخرطوم، وإسقاطه طائرة "ميغ" تتبع للجيش، إلا أن مصادر في الجيش نفت هذه الأنباء، وقالت إنها تصدت للهجوم.
وبعيدا عن التقارير التي تتحدث عن سير العمليات حول مدينة ود مدني التي تبعد عن العاصمة الخرطوم بنحو 180 كيلومترا وتعتبر من أهم المراكز الاقتصادية في البلاد، ونزح إليها نحو مليوني شخص، ونقلت إليها معظم الصناعات والمؤسسات الاقتصادية والتجارية بعد اندلاع القتال في الخرطوم، لم يجد الآلاف من السكان خيارا غير النزوح جنوبا.
وتقول الحاجة آمنة التي دخلت في نوبة من البكاء وهي تتحدث لموقع "سكاي نيوز عربية": "جئنا إلى مدني بعد شهرين من اندلاع القتال في الخرطوم بعد أن تعرضنا للموت والجوع والنهب هناك وها نحن أمام واقع جديد فحتى المدينة التي نزحنا إليها بدت غير آمنة".
وبغضب وحزن شديدين تساءلت الحاجة آمنة عن ذنب المدنيين من سكان ونازحين في حرب لا طائل منها، وقالت "بدلا من المضي في هذه الحرب التي دمرت الوطن وإنسانه يجب على العقلاء الجلوس لوقفها. لقد فقدنا كل شيء منازلنا وأموالنا، كما لم يرَ أطفالنا المدارس لأكثر من 9 أشهر. بتنا في خطر حقيقي ولم يعد العالم يهتم بأزمتنا المتفاقمة".
وكان توغل قوات الدعم السريع داخل ولاية الجزيرة الاستراتيجية قد بدأ قبل نحو 5 أسابيع حيث أظهرت مقاطع فيديو نشرها دخول قواته في نوفمبر إلى منطقة "العيدج" التي تبعد نحو 120 كيلومترا من مدني عاصمة الولاية، وذلك بعد يوم واحد من سيطرتها على منطقة العيلفون التي تعتبر طريقا رئيسيا إلى الولاية الوسطى والواقعة على بعد نحو 30 كيلومترا شرق الخرطوم والتي تضم أحد أهم معسكرات تدريب المجندين التابعة للجيش إضافة إلى محطة رئيسية لصادرات نفط دولة جنوب السودان التي تمر عبر الأراضي السودانية.
وأججت هذه التطورات المخاوف من استمرار اتساع رقعة الحرب التي شملت حتى الآن ولايات دارفور الخمس، إضافة إلى أجزاء واسعة من ولاية كردفان، مما يؤدي إلى وقوع المزيد من الدمار والضحايا.
وقدرت بيانات منظمة "أكليد" المتخصصة في جمع بيانات النزاعات وأحداثها، عدد القتلى بنحو 12 ألف حتى الآن، فيما وصل عدد النازحين إلى داخل البلاد وخارجها لأكثر من 8 ملايين.
استراتيجية توسيع رقعة الحرب
وفقا للخبير الاستراتيجي العسكري أمين إسماعيل مجذوب فإن توسيع رقعة الحرب الحالية في مناطق مختلفة من البلاد هو استراتيجية ربما تهدف من خلالها قوات الدعم السريع لتخفيف الضغط على قواتها في الخرطوم، وإشغال قوات الجيش عبر فتح جبهات جديدة.
وقال مجذوب لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن محاولة فتح جبهات جديدة "سيكلف كثيرا من الناحية الميدانية"، مشيرا إلى خطورة الشد من الأطراف الذي دخلت فيه قوات قتالية أخرى.
وتعتبر أقاليم كردفان ودارفور والجزيرة والنيل الأبيض من أكثر المناطق التي تأثرت بالقتال في الخرطوم، حيث دارت خلال الأسابيع الماضية معارك عنيفة في عدد من مناطق تلك الأقاليم.
ويحذر مراقبون من أن يؤدي تطاول أمد الحرب إلى امتدادها للعديد من مدن البلاد التي كانت تعتبر حتى الآن أماكن آمنة للنازحين من المناطق المشتعلة مما يفاقم من الأوضاع الإنسانية المتأزمة أصلا.
وفي هذا السياق تقول الكاتبة الصحفية رشا عوض، إن خطورة استمرار هذه الحرب هو توسعها إلى الولايات الآمنة.
وتبدي عوض قلقها على سكان مدني ومن نزحوا إليها بعد الحرب، وتقول موضحة: "أعدادهم ضخمة وأغلبهم فقراء لا حول لهم ولا قوة ولا يستطيعون النزوح مجددا. أمان المواطنين مرهون بوقف الحرب بصورة جادة، والدخول في ترتيبات حل سياسي تفاوضي يسكت المدافع والرصاص وقصف الطيران ويمنع انتقال الحرب إلى مناطق أخرى".